الحاج رفعت شناعة16/6/2012

ما حصل بالأمس في مخيم نهر البارد من حوادث مؤسفة ومؤلمةفي الوقت ذاته تفرض على الجميع التوقف، وتقييم ما حصل بموضوعية وبجرأة لأن عدمالتقييم العلمي والبعيد عن المجاملات سيترك الجراح مفتوحة، وسيشجع على تكرار ماحدث، وعلى الجميع أن يدرك الحقائق التالية:

أولاً: إنَّ التعاطي مع أهالي مخيم نهر البارد يجب أن يكون واعياً للواقع الذييعيشه أهالي المخيم، ومرور خمس سنوات على نكبة مخيم نهر البارد يجب أن لا ينسيناما جرى لهذا المخيم وأهله، فأهل المخيم لم ينسوا أن مخيمهم دُمِّر أمام أعينهم،وجُرف من جذوره ومعه جُرفت ذكرياتُ ستين عاماً، وإذا نسي الآخرون من كل الأطرافأنَّ الأهالي فقدوا بيوتهم، وكلَّ أموالهم، ومحالهم التجارية، وخرجوا من المخيمتحت القصف يحملون معهم جرحاهم وشهداءهم تاركين وراءهم الجملَ بما حمل بعد أنانعدمت إمكانية البقاء في المخيم ووضع حوالي سبعة وثلاثين ألف نسمة أمام خيار واحدمُرّ ٍ وهو التشرد مجدداً، خرجوا بثيابهم كما يقولون، شاهدوا بأم أعينهم المذلةوالمهانة، والعذاب والألم، بالأمس كانوا ينامون في بيوتهم المريحة التي بنوها فيالمخيم من عرقهم، واليوم هم مشردون ينامون في الطرقات، وفي المخازن المضغوطة معحلول الصيف، وفي المدارس حيث تقسَّم الغرفة الواحدة إلى ثلاثة أقسام. الأغنياءمنهم كانوا ينتظرون وجبة الطعام تماماً كما الفقراء لأنهم فقدوا أرزاقهم وأموالهموباتوا في أسوأ حال، ضاقت بهم الدنيا بعد أن ضاق بهم مخيم البداوي وجواره، كانوايبنون الآمال فأصبحت كلها رمالاً، هم أنفسهم وبعد مرور خمس سنوات لم يُعد إعمارسوى ربع المخيم، ومن لم يعد ما زال يعيش مشتتاً في مستوعبات حديدة، أو بيوت مؤقتة،أو موزعاً في البداوي وجواره، وفي بعض المخيمات الأخرى بعد أن فقدوا ذلك الاستقرارفي مخيمهم، والحياة الاجتماعية في مثل هذه الحالة فيها الكثير من المتاعب والمشاكلوالتعقيدات التي تركت آثاراً بارزة على الأوضاع الصحية والعصبية والنفسيةوالاجتماعية، وهذا ما يقود بطبيعة الحال إلى أوضاع حياتية متوترة.

ثانياً: إنَّ ما سبق ذكره من تراكمات وتعقيدات نفسية وعصبية واجتماعية بسبب نكبةشاملة طالت الآباء والأمهات والأبناء لا يستطيع أحد تجاهلها، والتعامل مع هذهالمعاناة يحتاج إلى الرعاية والعناية، والاهتمام البالغ بالنتائج المدمِّرة لحياةأهالي المخيم، ومثل هذا الواقع القائم يحتاج إلى العقلانية، وإلى اختيار أفضلالطرق في المعالجة البناءة لأنَّ العنف في مثل هذه الحالة يزيد المأساة اشتعالاً،ويحرك الجراح المفتوحة، وتكون كمن يضع الملح في الجرح.

ثالثاً: شئنا أو أبينا فإنَّ أهالي المخيم يتساءلون عمَّن كان وراء مأساتهم، وعنالأسباب التي تكمن وراء استهدافهم علماً أنهم لم يسيئوا لأحد، ولم يرتكبوا ذنباًيؤدي إلى ما حدث، وإلى تحويل حياتهم إلى جحيم، وما زالوا يدفعون الثمن، هذاالتساؤل هو حق مشروع ومباح سياسياً وشرعياً، والمؤلم أكثر أنهم حتى هذه اللحظة لميجدوا جواباً، ولا وجدوا تخفيفاً لمأساتهم، وإنما التساؤل ما زال يحفر في وعيهموذاكرتهم.

رابعاً: كان الأهالي بجراحهم النازفة يتوقعون الترحيب والتيسير والتسهيل لاستعادةشيءٍ من البسمة التي افتقدوها منذ زمن، لكنهم فوجئوا بالحواجز، والإجراءاتالعسكرية والأمنية، والتضييق على الكبير والصغير على الرجل والمرأة، وعلى طلابالمدارس، وعلى الدخول والخروج، وبرزت مشكلة التصاريح وتعقيداتها، ومشاكل البناءوالترميم، وكانت مشكلة المشاكل هي قضية الموقوفين وهم بالعشرات بعد أن وصلوا فيالبداية إلى المئات، وكانت معاناة الأهالي في الزيارات، ودفع الأموال للمحامين،وغموض المصير والقلق الدائم عند الآباء والأمهات والزوجات والأبناء، وهذا ما ولَّدحالات من الاحتقان والغضب ليس من السهل التخلص منها، خاصة أن المشهد ما زالقائماً، وان كانت الإجراءات قد خفَّت إلا أنَّ ما هو قائم حتى الآن يعيد إلىالأذهان والنفوس ما كان في الماضي، والخوف من التجدد في الحاضر والماضي والمستقبل،ومع تقديرنا  للهواجس الأمنية والإجراءاتالتي تعتمدها الدولة إلا أن ذلك كله يجب أن لا يكون على حساب الإنسان المقيم فيالمخيم وإشعاره دائماً بأنه ما زال في سجن اسمه المخيم، وأنه لا يمكن أن يرىالحرية الحقيقية كإنسان لاقى ما لاقى، وعانى ما عانى، وعليه أن يظلَّ تحت كابوسالنكبة، والإجراءات المشددة وأنَّ ما كان من استقرار وهدوء وحياة سعيدة أسوة بباقيالمخيمات لن تعود بسهولة.

خامساً: الواقع الحالي يشهد المزيد من التعقيد لأنَّ الكثير من القضايا مازالت معلقةولا تجد حلاً نهائياً حتى المقبرة لم تُعط الأرض حسب الاتفاق مع قيادة الجيش التي هيملك لمنظمة التحرير ولأهالي المخيم، والإجراءات الأمنية التي طلب الأهالي تخفيفها مازالتكما هي، والأبنية المملوكة في AI لم يتم تسليمها إلى الأهالي ، والملعب الذي أرضه ملك للمنظمةلم يتم إعادته، وهو المتنفس الوحيد للشباب في المخيم، مجمل هذه القضايا تسهم في حالةالضغط والاحتقان، وتشعر الجميع أنَّ المطلوب أن يعيشوا في هذا السجن الكبير.

على هذه الأرضية يجب مناقشة ومعالجة ما حصل يوم15/6/2012 ، وعلى قيادة الجيش أن تأخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار عندما تتعاطى معأهالي المخيم، لأن أهالي المخيم وأبناء شعبنا في لبنان يحترمون مؤسسة الجيش، ويحترمونسيادة الدولة اللبنانية، لكنهم يعتزون بكرامتهم وبتاريخهم النضالي، فهم أصحاب قضيةعادلة ومشرفة. ولا شك أن ما نتج عن لقاء الفصائل الفلسطينية مع قيادة الجيش كان أمراًايجابياً، والجيش قد تعهّد بإصدار بيان يتضمن تشكيل لجنة تحقيق بالحادث ،ثم تخفيف الإجراءاتالأمنية والعسكرية يشكل تدريجي، وأن تقوم لجنة من الفصائل واللجنة الشعبية بالتواصلمع قيادة الجيش لمعالجة أية إشكاليات.

رحم الله الشهيد أحمد قاسم، وكل التعازي لأهله وأهالي المخيم،والشفاء للجرحى عافاهم الله، ونأمل أن تكون العلاقة قائمة على الاحترام المتبادل وعلىتقدير الموقف لأن العنف لا يحلُّ المشكلة، وإنما يُعِّقدها.