يجب أن ننظر بحذر شديد، وتحر دقيق، إلى التسريبات التيأعلنتها الصحافة الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية حول اتفاق مزعوم بين الفاتيكانوالحكومة الإسرائيلية، أقر فيه الفاتيكان بشرعية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينيةفي عام 67 بما فيها القدس الشريف، القدس الشرقية، التي اعتبرتها كافة القرارات الشرعيةالدولية أراضي محتلة، لا يجوز استمرار احتلالها بالقوة، كما اعتبرت قرار ضم القدس الصادرمن إسرائيل في عام 67 قرارا باطلا بطلانا كاملا كأن لم يكن. 

ومعروف أن بعض الدول التي وافقت برلماناتها على نقلسفارات بلادها إلى القدس بدلا من تل أبيب، هذه الدول والحكومات لم توافق على تنفيذقرارات برلمانات بلادها!!! والمثال الأكبر في هذا المجال هو الكونغرس الأميركي، الذيخضع منذ عقود للضغوط الإسرائيلية، ولضغوط اللوبيات اليهودية، فأصدر قرارا بنقل السفارةالأميركية إلى القدس الشرقية، ولكن الإدارات الأميركية المتعاقبة استخدمت صلاحياتهاالدستورية، ولم توافق على تنفيذ ذلك القرار، وظل ذلك القرار يراوح مكانه، كما لو أنهحبر على ورق ليس إلا. 

المفاجأة كانت من قبل الصحافة الإسرائيلية في ادعاءاتهابأن الفاتيكان، وعلى طريق ركلجة علاقاته بإسرائيل، واستعادة تلك العلاقات التي ظلتمقطوعة أو متوترة لسنوات طويلة، لديه اتفاق مع الحكومة الإسرائيلية، وافق فيه الفاتيكانعلى شرعية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية.

ثمة أسئلة كثيرة حول هذا الموضوع، لماذا في هذا التوقيتتحديدا تقوم الصحافة الإسرائيلية بتسريب هذه الأخبار؟؟؟ وهل هذه الأخبار التي تم تسريبهاحقيقية أم مختلقة؟؟؟ وكيف ومتى تم كل ذلك؟؟؟  

أعتقد أننا كفلسطينيين، ومعنا العالم أجمع، بحاجة ملحةإلى أن نسمع ردا مسؤولا من الفاتيكان، بل وأعتقد أن هذا الرد يجب أن يأتي من البابامباشرة، وذلك لعدة أسباب أهمها:-  

أولا: بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية فإن اليهود ظلوالفترة طويلة من الزمن مسؤولين مسؤولية دينية وتاريخية عن دم السيد المسيح، باعتبارأن اليهود هم الذين طلبوا من بيلاطس، الحاكم الروماني للقدس، اعدام السيد المسيح علىالصليب، عندما خيرهم بينه وبين اللص القاتل برباس. 

ثانيا: أن المنطقة، منطقة الشرق الأوسط، من أقصاها إلىأقصاها تشهد هذه الأيام تجاذبا دينيا واسع النطاق، يصل إلى حد الخطورة أحيانا، وأنالمسيحيين الذين لا ينطبق عليهم هذا التوتر هم المسيحيون الذين يعيشون في الأراضي المقدسة،أي في فلسطين، باعتبار أنهم جزء عضوي من الشعب الفلسطيني، وباعتبار أن الحقوق المغتصبةعلى يد الإسرائيليين هي حقوقهم أيضا إلى جانب حقوق المسلمين، وأن المقدسات المستهدفةعلى يد الإسرائيليين في القدس الشريف، القدس الشرقية، هي مقدسات إسلامية ومسيحية، ولايمكن التفريق بينها. 

ثالثا: أنه في هذه الأجواء، وأمام هذه المعطيات، فإنهمن الصعوبة إلى حد الاستحالة وإلى حد المقامرة القاتلة، أن يقوم الفاتيكان بتجاهل كلذلك والتوقيع على اتفاق مع إسرائيل، يتجاهل فيه الحقوق والمقدسات والالتزامات الأخلاقيةوالتاريخية، ويقف معاديا بالمطلق ومتصادما بالمطلق مع قرارات الشرعية الدولية.

كما قلت آنفا, نحن بحاجة إلى رد سريع وواضح من الفاتيكان،حتى لا تتفاعل هذه التسريبات الإسرائيلية بأشكال سلبية، وخاصة أننا نعيش في منطقة يتجولفيها الإعصار الهائل منذ أكثر من سنة ونصف السنة، وأن إثارة هكذا تسريبات دون الردعليها بشكل سريع وحاسم، قد يصب في غير الاتجاه الذي يريده الجميع في هذه المنطقة، بأنتبقى بعيدة كل البعد عن التجاذبات الدينية والصراعات القائمة على أساس الدين.