شهر حزيران في الذاكرة الفلسطينية والعربية مشوب بالمرارةواللعنة، رغم الفرق بين النكسة عام 1967والصمود البطولي عام 1982. والوقفة هنا اليومتنحصر في الذكرى الخامسة والاربعين لهزيمة حزيران / يونيو 1967، التي اطاحت بأحلامالامة العربية من اقصاها الى اقصاها، وليس فقط الشعب العربي الفلسطيني. ومع ذلك كانالرد الفلسطيني مباشرا وفوريا على الهزيمة المرة مرارة العلقم، بامتشاقه السلاح واعلانولادة الظاهرة العلنية للثورة الفلسطينية، التي شقت الطريق في مطلع يناير / كانون الثاني1965. وسجلت انتصاراً عظيماً على جيش الحرب والعدوان الاسرائيلي في معركة الكرامة فيآذار / مارس 1968 بالتعاون مع الجيش الاردني. وتلا ذلك سلسلة من الانجازات والنجاحاتالوطنية على مدار عقود النضال الوطني السابقة لاتفاقيات اوسلو، عمدت من خلالها الاهدافالوطنية، واعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية، ورسخت جذور الهوية والشخصية الفلسطينية.

مع ذلك مضى من ذلك الحين خمسة واربعون عاما ولا نقولعن تاريخ النكبة، التي مضى عليها اربعة وستون عاما، والشعب الفلسطيني يراوح في ذاتالمكان، لم ينل حقوقه الوطنية كاملة بالمعايير النسبية المتمثلة في اقامة الدولة الفلسطينيةعلى حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئينالفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، والحصول على حق تقرير المصير اسوة بشعوب الارض.السؤال: لماذا ؟ والى متى؟ ومن المسؤول؟ وما هي الخيارات الجديدة؟ 

على المرء ان يعترف بشكل مسؤول، وعلى القيادة الفلسطينيةان تعترف، هي قبل غيرها، ان اتفاقات اوسلو على ما حملته من شذرات هنا وهناك ايجابية،إلا انها لم تكن اتفاقات تعكس الطموح الفلسطيني، ولم تحمل في طياتها المخرج لبلوغ اهدافالشعب العظيمة. وكانت بمثابة حقل الغام كبير اوقعت القيادة نفسها والشعب فيه، والدليلانه منذ عام 1993، تاريخ الاعلان عنها والتوقيع عليها في 13 ايلول 1993 في البيت الابيضلم ينتقل الشعب الفلسطيني خطوة جدية للامام، لا بل ان شارون في 2002 قام بارتكاب جريمةحرب بامتياز عندما اعاد احتلال الضفة وقتل بالتعاون مع آخرين زعيم الشعب الفلسطيني،وما زالت القيادة الاسرائيلية حتى الآن تتخندق في خنادق الاستيطان الاستعماري داخلالاراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 وخاصة في القدس الشرقية. ليس هذا فحسب، بل انهاقيادات اسرائيل كلها وليس قيادة حكومة اقصى اليمين ليست مؤهلة ولا مستعدة لخيار السلام،ولا تريد ان تلتزم باستحقاقات عملية التسوية وفق مرجعياتها وقرارات الشرعية الدوليةذات الصلة. وقبل ان نعدد الاسباب الذاتية والموضوعية، يمكن الجزم, ان اتفاق اعلان المبادئلم يحمل في طياته بذور قيام الدولة الوطنية، لأن مركباته السياسية والاقتصادية والثقافيةوالاجتماعية والادارية كانت ناقصة، وتعاني من قصور شديد في معالجة القضايا المركزيةوحتى اللوجستية الثانوية. بعد ذلك يمكن تسجيل خمسين سببا ذاتيا وموضوعيا لعدم الوصولالى الاهداف الوطنية. وفي مقدمتها بالتأكيد ضعف الادارة السياسية الفلسطينية لعمليةالسلام, وغياب اي دور عربي فاعل، وتواطؤ الولايات المتحدة المباشر مع سلطات الاحتلالالاسرائيلية وبرنامجها الاسنعماري المعادي للسلام والتعايش بين الشعوب، وعدم تمكن الاتحادالاوروبي والاتحاد الروسي الشريك الثاني في رعاية عملية السلام من وضع حد للتفرد الاميركيوالعبث الاسرائيلي. وحدث ولا حرج عن باقي الاقطاب الدولية، الذين لا يملكون حق التدخلفي اي شأن ذي صلة بعملية السلام، وان وجد، فانه يوجد في صيغة تعيين مبعوث خاص للسلاملذر الرماد في العيون، واشعار الذات القومية لهذه الدولة او تلك ان لها حضورا وتشاركفي الجلوس مع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي للاستماع لوجهات نظرهما في القضايا المرتبطةبعملية التسوية. وهي بتعبير آخر، تتنقل لجمع المعلومات لنفسها لا لكي تتدخل وتفعل شيئا.

هذا الحال من المفترض ان يتغير. آن الأوان للانتقالالى خطوات سياسية واقتصادية جديدة ومختلفة عما هو الحال عليه. المرء ليس متطيرا، ولايدعو للقفز في الهواء وتجاوز معطيات الواقع السياسي المحلي والعربي والاسرائيلي والاقليميوالدولي. ولكن السير كالسلحفاة في التكتيك السياسي الفلسطيني لا يجوز، وعلى القائمينعلى صناعة القرار اعادة نظر جدية فيما هو قائم، والبحث عن مخارج سليمة ومسؤولة تحميالشعب وتدفع العملية السياسية للامام. لانه لم يعد يكفي القول ان حكومة «العرصات» فيالدولة الاسرائيلية غير مستعدة للسلام. ولا يكفي ايضا تحميل اميركا المسؤولية عن تعطيلالسلام، لابد من خلق حوافز وطنية ترغم قادة اسرائيل على التوقف للحظة امام واقع الحال.لان الآلية المتبعة تعطي «الحق» لنتنياهو وباراك وموفاز ويعلون وغيرهم من عبدة الاستيطانالاستعماري والعنصرية والفاشية في استباحة الحقوق الوطنية، واستمراء الواقع البائس.لأن هذا الحال لا يمكن ان يستمر، ولا يجوز ان يستمر الى ما لانهاية.

كفى خمسة واربعون عاما من الاحتلال الاسرائيلي البغيضللاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 67. الشعب الفلسطيني قبل بخيار السلام، ووقفبقوة وشجاعة خلف قيادته السياسية دون تردد داعما خيارها وقرارها، ولكن الشعب يريد انهاءالاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران بما فيها القدسالشرقية عام 1967، اقل من ذلك لا يقبل، وضمان حق عودة اللاجئين وفق ترتيبات محددة علىاساس القرار الدولي 194. كيف؟ وماذا لدى الكاتب؟ الأمر متروك للقيادة السياسية لتتفضلوتبتدع تكتيكاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتحدث الحراك المطلوب.وبعض التكتيك على طاولة القيادة وامامها وما عليها سوى المبادرة لذلك فورا.