يقال في الأخبار ان الأخ أبو الوليد خالد مشعل سيصلإلى القاهرة قريبا جدا ، لأجل استئناف الجهود مع الأشقاء المصريين ، لإنجاز المصالحة، التي وصل الأمر بشأنها إلى حالة الاحباط الشامل ، من قبل الرأي العام الفلسطيني وخاصةبالضفة والقطاع ، وذلك في أعقاب تصاعد الأمل منذ الرابع من مايو ايار الماضي ، واللقاءاتوالحوارات التي أعقبت ، وصولا إلى اتفاق الدوحة الذي أوحى لنا أن المصالحة أصبحت قابقوسين أو أدنى ، ثم رأينا كيف أن ردود الأفعال داخل حركة حماس نفسها ، قد وجهت ضربةقاسمة إلى ذلك الأمل ، وعادت بنا إلى الاحباط الشامل وإلى نقطة الصفر من جديد .

ولكن دون المصالحة – كما يتضح من التجربة المطلقة –فإنه لا مقاومة ، لأننا في ظل الانقسام نكون عاجزين !!! ولا مفاوضات لأننا في ظل الانقسامنكون غير مؤهلين !!! ولا قدرة حتى على إدارة حياتنا الداخلية بتفاصيلها اليومية!!! وجميعنا نعيش أزمة الكهرباء ، وأزمة الوقود ، ومأزق الاعتقالات والاستدعاءات وإهدارحقوق الانسان !!! ونعاني دروب البطالة المتوحشة ، وفقدان الأمن الاجتماعي لأن الانقسامخلق العديد من الظواهر السلبية الجديدة على تقاليد وأعراف وثقافة شعبنا الفلسطيني!!! وبالتالي فإن المصالحة ليست نوعا من الترف الذي يمكن أن نستغني عنه قليلا ، بلهي ضرورة ملحة تعادل الحياة أو الموت .

نقطة البداية الجديدة ، إن حدثت ، ستكون من عند آخرنقطة توصلنا إليها وهي اتفاق الدوحة ، أي تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الأخ الرئيسأبو مازن نفسه .

فكيف سنزيل العراقيل والتوجسات والمناورات والرهاناتوالالتواءات من أمام هذه الخطوة الأولى ؟؟؟

الحقيقة أن هناك أكثر من تصور لدى الأطراف المختلفةحول تشكيل الحكومة ، فهناك التصور الوطني الذي كان دائما جوهر الاتفاقات والحواراتجميعها ، والقائم على برنامج واضح بأن الحكومة ، حكومة الوحدة الوطنية ، ستنقلنا بمجردتشكيلها إلى عنوان المصالحة ، أي حكومة واحدة تدير أمور البلاد والعباد على مستوى تفاصيلالحياة اليومية ، وعلى مستوى إعادة إعمار ما هدمته الحرب ، وفتح الأبواب أمام المصالحةالمجتمعية ، وتصفية ما تبقى من استعصاءات متعلقة بملف الحقوق والحريات العامة ، وتعدالعدة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ، بهدف إعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني، بما يضمن المشاركة الفاعلة ، والانسجام الحقيقي من قبل جميع مفردات ومكونات الساحةالفلسطينية .

ولكن هذا التصور الوطني الجامع والشامل ، يصطدم دائماوما يزال بتصور آخر يعبر عن نفسه في هبات مفاجئة ، وفي عراقيل مستمرة ، وهو تصور يريدمن الحكومة أن تكون مجرد عنوان للتنسيق بالحد الأدنى بين وضعين قائمين الآن ، أي شرعنةالانقسام ، وبقاء كل مفاعيل الانقسام ، ولكن تحت عنوان حكومة الوحدة الوطنية شكليا !!!

وبطبيعة الحال: فإن أصحاب هذا التصور لا يرغبون الآنفي الانتخابات ، لأن الانتخابات التشريعية والرئاسية أولا ثم انتخابات المجلس الوطنيالفلسطيني بعد ذلك ، هدفها الوحيد إعادة صياغة النظام السياسي ، وإعادة تجديد الشرعيةالفلسطينية ، وتشكيل نقطة انطلاق جديدة لتنفيذ برنامج الإجماع الوطني المتمثل في إقامةالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

ولكن البعض لا يريد ذلك ، هكذا بصراحة لا يريد أن تكونالشرعية الفلسطينية هي المرجعية الحاكمة ، وهذا هو سبب تعطيل مسيرة المصالحة طيلة الخمسسنوات الماضية ، وترك الانقسام يتوحش ويفتك بحياتنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني كما هوواقع اليوم .

بل هذا هو السبب الجوهري وراء الاضطرابات والافتعالاتالتي تحدث في حياتنا السياسية والوطنية بين وقت وآخر ، وكان آخرها الاضطراب والتوتروأجواء التهديد التي حدثت في أعقاب اتفاق الدوحة في شهر فبراير شباط من العام الماضي.

أصحاب هذا التصور، كانوا يتسترون في الماضي ، بإدعاءأن الخلاف الفلسطيني والانقسام الفلسطيني ناجم عن برنامجين لا يلتقيان ، برنامج المقاومةوالممانعة ، وبرنامج المفاوضات والعملية السلمية !!! ولكن الاعصار الجاري في المنطقةمنذ أكثر من سنة عصف بالكثير من المسلمات والمسميات والرهانات !!! وعلى سبيل المثالفإن محور ما كان يسمى بالمقاومة والممانعة لم يعد موجودا موضوعيا ، كما أن عملية السلامالتي قاعدتها المفاوضات لم تعد موجودة بسبب التعنف الإسرائيلي المفضوح ، ولذلك رأيناأصحاب هذا التصور يبحثون عن ذرائع أخرى !!! ومن هنا طرحت مسألة رئاسة الحكومة ، حكومةالوحدة الوطنية كعقبة رئيسية مستعصية !!! وطرحت مسألة المعتقلين السياسيين بتلك الطريقةالمضخمة التي نعرفها جميعا !!! وعندما اتضح أن هذه العقبات المفتعلة هي في الحقيقةليست عقبات حقيقية ، خاصة بعد تشكيل اللجان المتعددة في حوارات القاهرة نهاية العامالماضي ، وبعد اتفاق الدوحة في فبراير شباط الماضي ، فإنه أسقط في يد أصحاب هذه الافتعالات، فعادوا يهددون بانقلابات جديدة ، ويستنفرون الأوضاع ، ويبعثرون التهم يمينا وشمالا، الأمر الذي ضاعف من الاستعصاء ومن الاحباط على مستوى علاقاتنا الداخلية وعلى مستوىتفاصيل حياتنا اليومية .

هل تنجح هذه المحاولة الجديدة ؟؟؟

هذا سؤال مهم ، ولكنني لا أستطيع الاجابة عليه بدقةوبيقينية ، لأنني لم أستطع أن أتابع نتائج تطورات الوضع الداخلي في حركة حماس ، وخاصةبعد الانتخابات التي جرت لمجلس شورى الحركة ، وما هو التوجه الذي استقر وتكرس ؟؟؟ ولكنالاشارات التي تظهر على السطح بين وقت وآخر في هذه الأيام هي اشارات سلبية جدا !!!ولكن يلزمنا أن ننتظر قليلا لنرى ونسمع ونعرف ما الذي يحمله الأخ العزيز أبو الوليدخالد مشعل في جعبته إلى القاهرة ، وهل ما زال على موقفه الإيجابي السابق ، وعلى حماسهالموضوعي لإنجاز المصالحة ؟؟؟ أم أن الوضع قد تغير بشكل دراماتيكي منذ إعلان الدوحةوحتى يومنا هذا .