جرت الانتخابات البرلمانية الأردنية في الثلث الأول من شهر أيلول/سبتمبر الحالي للدورة العشرين بآلية انتخابات جديدة جمعت بين القائمة الوطنية الواحدة على مستوى الأردن، مخصصة للقوائم الحزبية بما لا يزيد عن 41 نائبًا، و97 نائبًا للدوائر المحلية من أصل مجموع البرلمان الـ138 نائبًا، ومنها 18 مقعدًا مخصصة للنساء وفق نظام الكوتا، ألزمت القوائم الحزبية بترشيح إمرأة عن كل دائرة انتخابية من الدوائر الـ18 وفق نسبة حسم، أو كما يسميها الأردنيون تجاوز العتبة، للأولى نسبة 2,5% والثانية نسبة 7%، ويبلغ مجموع الناخبين الذين لهم حق الانتخاب 5,115,219 صوتًا.
وكانت نسبة المشاركة ضعيفة، حيث بلغت 32,25% من مجموع الناخبين، وقوامهم مليونا و638 ألفًا و351 ناخبًا، حصدت فيها جبهة العمل الإسلامي 31 مقعدًا من أصل 41 مقعدًا، متقدمة على القوائم الحزبية وقوامها 36 قائمة، مما شكل نقلة جديدة في استعادة جماعة الإخوان المسلمين لدورها الرئيس في الساحة البرلمانية، اسوة بما كان عليه الحال عام 1989، مما أثار ردود فعل في أوساط الشارع الأردني والعربي والدولي. وطرح العديد من الأسئلة عن خلفيات وأسباب هذا التحول الإيجابي في مكانة الجماعة، كيف؟ ولماذا؟ وأين القوى الحزبية الأخرى اليسارية والديمقراطية والقومية؟ وما هي أسباب إنكفاء أصحاب حق الاقتراع عن التصويت؟ هل كانوا يعتقدون أن النتائج محسومة ومعروفة مسبقًا، أم أن النتائج كانت مفاجئة؟ أم ناجمة عن فقدان الثقة بدور البرلمان في تحقيق المصالح الوطنية والمطلبية للشعب؟ وهل لهذا التحول في التصويت لجبهة العمل الإسلامي علاقة بدول الإقليم، التي جلها يرفض أو يناصب التنظيم الدولي للإخوان المسلمين العداء، كونهم يعتبرونها جماعة إرهابية؟ وما أثر ذلك على النظام الأردني؟ وهل الحسابات الوطنية الأردنية أملت هذا التغيير ارتباطًا باللحظة السياسية الراهنة، التي تعيشها المنطقة عمومًا، والقضية الفلسطينية خصوصًا؟ 
مع أن الغالبية العظمى في الشارع الأردني من أحزاب ونخب سياسية، أكدوا أن الانتخابات كانت نزيهة وشفافة، إلا أن هذا التطور لم يسقط طرح الأسئلة المثارة أعلاه، وبقراءة موضوعية للخلفيات والأسباب لنتائج الانتخابات، يمكن إيراد عددًا منها، لعلها تجيب على النقاش المثار في الأوساط المختلفة: أولاً تاريخيًا كانت جماعة الإخوان المسلمين تعتبر بعد العام 1957 حزب السلطة، وتمكنت من تعزيز نفوذها في عقود التوافق مع النظام الأردني.

ورغم حدوث قطيعة نسبية بين النظام وجماعة الإخوان لاحقًا، بيد أنهم حافظوا على حضورهم الكبير في أوساط الشارع الأردني، ولم يؤثر كثيرًا عليهم الانشقاق الذي حدث في صفوفهم؛ ثانيًا الاستثمار الجيد لجبهة العمل الإسلامي للإبادة الجماعية في قطاع غزة خصوصًا وفلسطين عمومًا عبر سياسة الاحتجاجات الأسبوعية دعمًا لنضال الشعب الفلسطيني، وطرح الشعارات السياسية المتناغمة مع عواطف الشعب الأردني؛ ثالثًا الاستفادة من العملية الفدائية للبطل الشهيد ماهر ذيب الجازي الحويطات، التي تمت في 8 أيلول/سبتمبر الحالي عشية الانتخابات في معبر الكرامة وقتل فيها 3 إسرائيليين؛ رابعًا ضعف وتآكل الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية والديمقراطية، التي لم تتمكن من تمثل دورها الريادي في الشارع الأردني، ولم تطرح برامج سياسية تحاكي حاجات الشعب الأردني، وحتى بقاءها منغلقة على ذاتها في دوائر ضيقة، غلب عليها البعد المناطقي والعشائري؛ خامسًا ضعف الأداء الحكومي، وارتفاع منسوب السخط والغليان من سياساتها العرجاء تجاه مصالح الشعب، وعدم تحقيق إنجازات ملموسة، في ظل اتساع البطالة، وارتفاع منسوب المعيشة، مع انخفاض في القدرة الشرائية للحاجات الأساسية؛ سادسًا محاولة النظام الاستفادة من نتائج الانتخابات، بما يؤمن نسبيًا تهدئة الشارع الأردني عبر وصول القوة الحزبية الأكثر تماسكًا ونفوذًا في الشارع لسدة البرلمان، وضبط ايقاعهم بما يخدم توجهاته؛ سابعًا لا يستهدف النظام الأردني استفزاز أي نظام شقيق، لا بل العكس صحيح، عمل ويعمل على مد الجسور مع الأنظمة كافة، وعزز علاقاته مع الأنظمة المختلفة.

ولكن خارطة القوى السياسية في الساحة الأردنية مختلفة تمامًا عن خارطة القوى في غالبية الانظمة العربية وخاصة الخليجية، ولهذا أنحاز النظام لمصالحه السياسية، وشاء درأ أية تداعيات سلبية للحرب الإجرامية الإسرائيلية الأميركية على الساحة الداخلية. لا سيما وأن الإخوان المسلمين وفق استطلاعات الرأي في الأردن، هي الجماعة الأكثر تنظيمًا وتماسكًا ونفوذًا في الشارع حتى اللحظة الراهنة.
غير أن ذلك، ومن خلال النظر لنسبة المقترعين الضعيفة في الانتخابات التي جرت يوم الاثنين 9 أيلول/سبتمبر الحالي، والتي لا تزيد عن ثلث أصحاب حق الاقتراع، وتشير إلى ابتعاد الغالبية العظمى من الشارع عن المشاركة في الانتخابات، لاستيائهم من الوضع الحكومي والحزبي عمومًا، وعدم ثقتهم بالعملية الديمقراطية، وبالتالي موضوعيًا كاستخلاص، لو فعلاً جماعة الإخوان المسلمين كانت كما ذكرت أنفًا، بأنها القوة الأكبر والأهم، كان يمكن أن تدفع الغالبية الساحقة من التصويت لصالحها، ورغم ذلك، فإن الكتلة الصماء، الصلبة لفرع جماعة الإخوان بالمعايير النسبية، كانت الأكثر تأثيرًا. لأنها حصدت ما يزيد عن نصف مليون مقترع، أي ثلث المقترعين، وعليه فإني لم اتناقض فيما ذكرت بالنسبة للنتائج الماثلة في الواقع المعطي، وإن كانت الغالبية العظمى من الشعب الأردني لم تعد تأبه بالإخوان المسلمين ولا بالأحزاب القومية واليسارية والديمقراطية، لأنها غير مؤثرة، وبعيدة عن الفعل الإيجابي.