بقلم: نبيل عمرو

الجهد المصري الأخير الذي توج بإعلانات متفائلة، لفت انظار المراقبين أكثر بكثير من موضوع المصالحة النمطية بين فتح وحماس.

والسبب في ذلك المتغيرات الكبيرة التي فرضت نفسها على حركة حماس في غزة، ما فتح مجالا أوسع لمصر كي تشرع في محاولة قوية ليس فقط لاحراز مصالحة، وانما للتأسيس لما هو ابعد وأوسع من ذلك ، فما هو هذا الابعد والاوسع؟

انه التسوية... والدور المصري الأساسي في التهيئة لها، وتمريرها اذا ما طرحت عبر مبادرة أمريكية.

كان الرئيس السيسي قد المح ولكن بصورة واضحة الى ان مصر ستعمل من اجل تسوية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، والتقط نتنياهو في حينه هذا التلميح او التصريح المقتضب، ورد عليه باظهار استعداد للتعاون مع مصر في هذا الاتجاه، ولأسباب عديدة مصرية وإسرائيلية وإقليمية هدأ الحديث عن هذا الامر، وبدا واضحا ان الاتجاه المصري لم يلغى وربما يكون تأجل لبعض الوقت.

لم يعد دقيقا تصنيف الجهد المصري كما لو انه عمل خيري وانساني تجاه اشقاء يعانون الامرين في غزة على صعيد الحياة وفي فلسطين كلها على صعيد الاحتلال، فدولة مثل مصر غيرت مجرى تاريخ الشرق الأوسط باتفاقها السياسي مع إسرائيل ، تظل مهما كانت ظروفها ومهما استبدت بها المشاكل والتحديات الدولة الأكثر جدارة وتأهيلا للعب دور أساسي في التسوية المفترضة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبذات القدر بين الإسرائيليين والعرب.

لقاء السيسي بنتنياهو في نيويورك علامة ذات دلالة على ما تنوي مصر فعله وراء حدود المصالحة، لأن مصر الدولة تدرك بوعي عميق وبالتجربة ان كل شيء في محيطها سيظل قلقا ومقلقا لها ان لم تحرز تسوية شاملة مع إسرائيل، وجوهرها بالطبع الفلسطينيون الذين يعيش جزء منهم على كتف مصر وما تبقى على كتف الأردن وإسرائيل.

بتر المصالحة عن المحيط السياسي، قد يؤدي الى تهدئة او الى بعض الترتيبات التسكينية ، الا ان ارتباط المصالحة بالجهد الاوسع سيكون بالتأكيد خطوة ناجعة نحو ترتيب اكثر استقرارا ورسوخا للأمن القومي المصري، وللبعد الفلسطيني الإسرائيلي فيه.

المصريون هم الجهة الإقليمية الأكثر حماسة وتفاعلا مع نوايا الرئيس ترمب في بلوغ الصفقة التاريخية او على الأقل وضع قطار التسوية على قضبانها لا يفعلون ذلك ارتجالا وانما بفعل يقين متوارث من عهد السادات مع تعديل في النسب، السادات قال.. ان 99% من أوراق الحل هي بيد أمريكا، وتبين ان قوله صحيح في حينه ، بدليل ان الأمريكيين فرضوا على بيغن وهو اكثر الزعماء الاسرائيليين يمينية وتشددا ، فرضوا عليه تسوية مع مصر انسحبت بمقتضاها إسرائيل من جميع الاراضي المصرية.

ومع ان تطورات الوضع الإقليمي والدولي اثرت بصورة كبيرة على نسبة التسع وتسعين بالمائة، فانخفض التأثير عن هذا المعدل كثيرا الا ان الأساس ظل قائما وهو ان لا تسوية دون موافقة ودعم وتبنٍ وضمانة امريكية، وهذا ما يبرر الرهان على ترمب ولا رهان في واقع الامر على غيره.

من هذه الزاوية أرى ما تم في القاهرة مؤخرا ، واتفهم لماذا جرى التركيز على الجهد المصري اكثر من التركيز على المصالحة بحد ذاتها، فمصر أضحت بحاجة الى توسيع الدائرة وزيادة انفراج اضلاع المثلث، فأمنها القومي كما تدرك في العمق لا يضمن بالتجزئة، ومكانتها ودورها المحوري يتطلب جهدا مضاعفا نحو احراز تسوية فلسطينية إسرائيلية تتلوها تسوية عربية وربما إسلامية مع إسرائيل.

ربما تكون البداية في الاسهام القوي بترتيب البيت الفلسطيني، غير ان هذا البيت لن يعرف الترتيب الراسخ الا اذا استقرت الأمور على تسوية ربما تكون الان بعيدة المنال في عهد نتنياهو، الا ان ضرورتها واساسيتها في الاستقرار تظل قائمة خصوصا حين يفرغ الجميع من الحرب على الإرهاب ليكتشفوا انهم عادوا ليجدو انفسهم واقفين امام الجدار القديم المسمى بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وامتداداته الإقليمية والدولية.

بقي أخيرا ان نقول بصراحة " على الفلسطينيين بمختلف اطيافهم وتشكيلاتهم ، ان لا يخذلوا مصر هذه المرة، وأن يعملوا معها بإخلاص مع قدر كبير من نكران الذات، لأن تقوية أوراق مصر في اللعبة الإقليمية والدولية هي تقوية تلقائية للأوراق الفلسطينية التي كادت تتبدد بفعل الانقسام ، وها هي مصر تحاول إعادة تجميعها.