في لحظة سياسية بالغة التعقيد، وعلى وقع تحديات داخلية وخارجية متزايدة، تواصل القيادة الفلسطينية البحث عن آليات لتثبيت أركان النظام السياسي وتعزيز صموده.
ففي ظل غياب الأفق السياسي وتعطل المسارات الانتخابية، برزت الحاجة إلى خطوات إصلاحية تحافظ على استمرارية القرار الوطني وتؤمّن الانتقال السلس للسلطة.
وفي هذا السياق، جاء قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتعيين نائب لرئيس دولة فلسطين، كخطوة لافتة تستحق التوقف أمامها لفهم أبعادها وأهميتها، في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها قضيتنا الوطنية.
أقرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في اجتماعها الذي عُقد يوم السبت الموافق 26 أبريل الجاري، تعيين السيد حسين الشيخ، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، نائبًا لرئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، السيد الرئيس محمود عباس، وذلك استنادًا إلى توصية المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الأخيرة.
يأتي هذا القرار في سياق خطط الإصلاح السياسي وتعزيز بنية النظام السياسي الفلسطيني، بما يتناسب مع تحديات المرحلة الحالية، التي تشهد انسدادًا في الأفق السياسي وتعذر إجراء الانتخابات العامة– سواء كانت تشريعية أو رئاسية أو للمجلس الوطني– نتيجة للظروف السياسية واللوجستية المعقدة التي تعصف بالقضية الفلسطينية.

إن تعيين نائب للرئيس يُعَدّ خطوة تنظيمية ضرورية في ظل الحاجة لتقوية المؤسسات الوطنية، وضمان استمرارية القرار السياسي، ومواجهة التحديات المستقبلية، خاصة في ظل غياب الأفق السياسي وضعف فرص إنهاء الانقسام الداخلي.
فوجود نائب للرئيس يكرّس حالة من الاستقرار السياسي والإداري، ويمنح النظام السياسي الفلسطيني مرونة أكبر في التعامل مع المستجدات المحلية والدولية.
وقد حظيت هذه الخطوة بترحيب عربي وإسلامي ودولي واسع، إذ عبرت دول عدة عن دعمها للإجراءات التي من شأنها تعزيز وحدة الصف الفلسطيني، وإعادة تفعيل مؤسسات منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وتأتي هذه المواقف الداعمة انسجامًا مع الاعتراف الواسع بدولة فلسطين، التي تحظى باعتراف 149 دولة، بالإضافة إلى كونها عضوًا مراقبًا في الأمم المتحدة.

ومع ذلك، لم تخلُ الساحة السياسية الفلسطينية من بعض الأصوات المعارضة لهذا القرار، حيث اعتبرت بعض الأطراف أن تعيين نائب للرئيس في ظل غياب انتخابات ديمقراطية قد يُكرس صورة من صور التفرد بالقرار، أو يعمق حالة الانقسام الداخلي بدلاً من معالجتها.
هؤلاء المعارضون يرون أن الأَوْلى كان التوجه نحو توافق وطني شامل قبل الإقدام على أي خطوات جوهرية تتعلق بإعادة هيكلة النظام السياسي.
في المقابل، يرى المؤيدون لهذا القرار أنه إجراء ضروري وواقعي في ظل الانسداد السياسي القائم، وأنه يعزز من قدرة منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين على حماية القرار الوطني المستقل، ومواصلة السعي نحو تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في مقدمتها إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
إن المشهد السياسي الفلسطيني، بما يحمله من تعقيدات داخلية وضغوط خارجية، يحتاج إلى خطوات عملية تعيد تفعيل مؤسسات منظمة التحرير، وتحمي مشروع الدولة الفلسطينية.
ومن هنا، فإن قرار تعيين نائب للرئيس ينبغي أن يُفهم ضمن هذا السياق كخطوة نحو تعزيز الاستقرار الداخلي وتحصين القرار الوطني في مرحلة دقيقة وحساسة من تاريخ القضية الفلسطينية.

خاتماً، يبقى التحدي الأساسي الذي يواجه النظام السياسي الفلسطيني هو الانتقال من إدارة الأزمات إلى صناعة المستقبل، عبر تطوير آليات المشاركة السياسية، وتوسيع قاعدة التوافق الوطني، والعمل الحثيث نحو إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الشاملة.
إن تعيين نائب للرئيس، رغم أهميته المؤسسية، يجب أن يكون جزءًا من رؤية أوسع لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية، بما يتيح تفعيل إرادة الشعب الفلسطيني ويعزز صموده في وجه التحديات الكبرى.
فالتاريخ لا يرحم، ومن يخطط جيدًا اليوم، يضمن مكانته غدًا في مسيرة الحرية والاستقلال.