عندما قال سيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن في خطاب الأولويات الوطنية، ومحددات استراتيجية العمل الوطني الفلسطيني، وخريطة الطريق لاستكمال تجسيد استقلال دولة فلسطين: "أنا لا أملك شيئًا لأخسره" وصلتنا رسالته صريحة وواضحة منه، قالها بعقلية المناضل الوطني، في موقع ومهمة القائد، باعتباره الرئيس أبو مازن، المتحرر من الصورة النمطية الموروثة بالجينات في اذهان الناس، حول الرؤساء والملوك السلاطين والوزراء، والقادة، ورؤساء الأحزاب والجماعات السياسية، بما فيها المستخدمة للدين، وهي أن السياسة وتداول مواقع القرار والتشريع فيها، أو استخدام منابرها، تبقى السبيل لتمكين نزعات ورغبات ذاتية، ولاكتساب مسميات شخصية مفخمة.
ورفع أرصدة مكاسب مادية، حتى لو على حساب دماء الشعب وخراب البلاد، وتقديم الذرائع لأعدائها لتدميرها، والتحكم بتحديد مسار مصيرها. فما نعرفه ونعلمه ونؤمن به حتى اليقين، أن الرئيس أبو مازن يمقت التمجيد، ويقدس النفس الإنسانية، ولديه من الحكمة والعقلانية ما يكفي للوفاء بالقسم، من أجل تحقيق الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني الذي منحه الثقة، ويمكن للعاقل القارئ السامع الناظر ببصيرته وحواسه المتحررة من الأحكام المعلبة الجاهزة، أن يدرك ما قصده الرئيس، إذا وصلها بفقرة في ذات الخطاب أنهاها بالعبارات التالية: "إن خسارة طفل واحد من أطفالنا تمثل بالنسبة إلينا فاجعة، فكيف بفقد كل هؤلاء الضحايا؟"، بعد أن قدم بيانًا بأرقام موثقة، نطقها بلسان الإنسان المتألم الحزين عندما قال: "مئتا ألف إنسان يمثل كل واحد منهم، طفلاً كان أو امرأة أو رجلاً، خسارة استراتيجية كبيرة مُنيت بها فلسطين حين فقدتهم، لأنهم وكل شعبنا هم الذخيرة الاستراتيجية الحقيقية لمستقبل وطننا الغالي فلسطين، 2165 عائلة أُبيدت عن بكرة أبيها ولم يعد لها وجود، 6664 عائلة أُبيدت جزئياً وفقدت معظم أفرادها"، ثم فجر أسئلته الكبرى: "هل هؤلاء مجرد خسائر تكتيكية؟ مالكم كيف تحكمون؟ أفلا تعقلون؟".

أسئلة أراد اسماع دويها لكل من لا يرى الفلسطيني المسفوك دمه، النازح، الجريح، الجائع، المريض، المحاصر، المنكوب، إلا مجرد رافعة لاسمه، أو لفئته، أو جماعته، أو حزبه، وفرصة استثمار سياسي، تحقق له المكاسب، وترفع أسهمه في بورصة جمهوره المشبع حتى الثمالة بمقولات أغفلت قداسة النفس الإنسانية، وذهبت إلى أبعد الحدود في تقديس السلاح والحروب. فالرئيس أبو مازن، لا ينتمي أبداً لقائمة المتوهمين بقدرتهم على بناء أمجاد شخصية، والبحث عن جملة أو سطر كتب التاريخ، على حساب وجود شعب، أو أخذه إلى نكبة جديدة بحجم فظاعة كل النكبات السابقة التي حلت بالشعب الفلسطيني. الرئيس أبو مازن لم يكن ولن يكون من المشتغلين على تجميع مكاسب شخصية مادية ومعنوية، فتفكير هؤلاء وأفعالهم بهدف الحفاظ عليها فقط، ولن يكون من الغليظة قلوبهم الخالية من الرحمة والرأفة، لا يشعرون ولا يحسون بلهيب نيران الإبادة، الحارقة لأكباد أمهات فلسطين، الآكلة بنهم ووحشية أطفال ونساء ورجال فلسطين.

والرئيس أبو مازن- لمن لا يعرف- غني بمشاعره وأحاسيسه، بصدقه وإخلاصه، بصراحته وشجاعته، وبالوفاء لالتزاماته، ولاستراتيجية العمل الوطني، التي لطالما تحدى أن يثبت احد تراجعه عنها "قيد أنملة" أما بمعيار المكاسب الشخصية، والتمجيد، وزخارف كرسي الزعامة، المركب والمصنع من عظام الشعب، فهو فقير جدًا، لا يملك منها شيئًا ليخسره، ويكفينا أن الإنسانية عجينة أفكاره ورؤاه السياسية العامة المتعلقة بمصالح الشعب الفلسطيني العليا، ففلسطين عنده تاريخ وحضارة، ومستقبل تخطط وتعمل لتجسيده العقول الإنسانية بصيغتها الوطنية.