بعد استئناف جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات القصف والإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة، معلنًا بحبر الدم انتهاء ما تسمى التهدئة، التي بالمناسبة لم تخلُ في يوم من أيامها من قتل الفلسطيني الباحث عن كسرة خبز لأطفاله، أو خرقة قماش لخيمته المرقعة. عادت تساؤلات وسيناريوهات كيف يمكن لجم هذا العدوان؟ وإلى أين ستؤول الأمور هذه المرة؟.

- وفي ضوء ذلك، هناك سيناريوهان اثنان تريد إسرائيل أن تمضي أهدافها التدميرية في أحدهما:

- الأول: سيناريو الرعب لكل الفلسطينيين، وفيه سيستمر جيش الاحتلال من تصعيد وتيرة هجماته الجوية والبرية، ويشدد من حصاره بصورة لم يسبق لها مثيل في الخمسة عشر شهرًا الماضية من الحرب، حيث سيعمل على تحقيق الهدف الحقيقي الذي تبلور في عقل قادة اليمين الإسرائيلي المتطرف منذ بداية الحرب، وهو تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، والتخلص من عبئهم الديمغرافي بشكل أبدي عبر تدمير القطاع، وجعل بيئته غير قابلة للحياة بكل المقاييس. وهو ما تحقق جزء كبير منه خلال الحرب. ويسعى لاستكمال مخططاته في الجزء القادم منها.

هذا السيناريو لا يمكن مواجهته بالأدوات والأوراق التي تعتقد حماس مخطئة أنها تمتلكها، خاصةً في ظل دعم الإدارة الأميركية اللامحدود لإسرائيل، الذي تخطى الدعم العسكري والمادي، بالمشاركة الفعلية في مخططات تهجير الفلسطينيين من غزة. بالإضافة لانهيار أكذوبة ما يسمى محور المقاومة، عند أول مواجهة حقيقية مع الاحتلال.

حماس الآن في الزاوية، ومعها يتهدد مستقبل قرابة مليوني فلسطيني في غزة، مقومات الصمود معدومة، وأدوات المواجهة غير موجودة. والحل الوطني الوحيد، لسحب البساط من تحت أقدام نتنياهو وحكومته، ومنعه من استئناف هذا السيناريو الخطير، هو تنفيذ قرارات الجامعة العربية، بالانسحاب من المشهد السياسي والحكومي في غزة لصالح لجنة إشراف تعتمدها السلطة الوطنية، تدير قطاع غزة، تمهيدًا لاستلامه من قبل السلطة الوطنية. وبذلك تجنب الشعب الفلسطيني ويلات نكبة كبيرة وجديدة، نحن في غنى عنها، خاصة وأن فاتورة الدم حتى الآن فاقت كل المقاييس.

السيناريو الثاني: لا يقل خطورة عن الأول، وفيه تهديد خطير للقضية والمشروع الوطني الفلسطيني، وهو الدولة الفلسطينية في غزة. قد يتساءل القارئ كيف ذلك في ظل هذه الهجمة الشرسة على غزة؟ وفي ظل مشاريع التهجير، الإجابة ببساطة، قد تفضل إسرائيل هذا السيناريو على الأول، الذي قد يمتد تنفيذه لسنوات، ويحمل في طياته مصاعب كثر. فعندما تكون الدولة الفلسطينية في غزة منزوعة السلاح، ووفقًا لكافة الاشتراطات الأمنية الإسرائيلية، مقابل وقف الحرب، وتبديد مخططات التهجير. ويترافق ذلك مع إعلان ضم الضفة الغربية، وإنهاء السلطة الوطنية الفلسطينية هناك. حينها ستفضل دولة الاحتلال هذا السيناريو على كافة الحلول والسيناريوهات. كيف لا، وهي تسعى منذ عقود لوأد حل الدولتين القائم على أساس حدود 1967، والفرصة الآن مواتية لذلك.

هذا السيناريو الكارثي إن حدث، ستضيع معه عقود النضال الوطني للدولة الفلسطينية المستقلة على حدود حزيران 1967. والمسوغ أمام حماس جاهز وموجود، وقد يكون مقبولاً من بعض الأطراف العربية والدولية، بأنها منعت مخططات التهجير من أن تجد لها سبيلا في غزة. وبذلك تخرج نفسها من المأزق الذي وضعت الجميع فيه، لكن على حساب القضية الوطنية ككل.

وفي كل الأحوال، على السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير، وبالتعاون مع الدول العربية، العمل بكل جهد لمنع حدوث السيناريو الثاني، والضغط دبلوماسيًا لوقف الحرب، وضمان انسحاب حماس من المشهد في غزة. بما يحقن الدماء ويحفظ للفلسطينيين ما تبقى لهم في غزة، ومن ثم إعادة بناء القطاع على أسس جديدة.