لطالما قُدمَ حل الدولتين وفق حدود ما قبل 4 حزيران عام 1967 باعتباره الخيار الوحيد المقبول دوليًا لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لكن مع مرور العقود، لم يكن هذا الحل سوى أداة دبلوماسية لإدارة النزاع وليس لإنهائه على قاعدة دحر الاحتلال الاستيطاني، بل وشكلاً من الخداع السياسي الغربي. إن توسع الاستيطان الإسرائيلي، وتآكل الأرض الفلسطينية، وانعدام الإرادة الدولية الحقيقية جعلت من هذا الحل، عملياً أمراً مستحيلاً على الأرض.

- بيان مجموعة الدول السبع، غموض دبلوماسي أم تراجع مقصود؟.

في بيانهم الأخير أمس الجمعة، تجنبت دول مجموعة السبع (G7) الإشارة المباشرة إلى "حل الدولتين"، واستبدلته بعبارات فضفاضة مثل "الأفق السياسي" و "التطلعات المشروعة" بدلاً عن الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني. هذا التغيير ليس تفصيلاً لغويًا، بل يعكس تحولاً سياسيًا أعمق في الموقف الغربي، حيث لم تعد الدول الكبرى الغربية مستعدة لفرض حل الدولتين كإطار ملزم، بل باتت تُفضل صياغات أكثر مرونة تتيح لها المناورة وفق المستجدات الإقليمية وتحقيق مصالحها بالمنطقة عبر رؤية "الشرق الأوسط الجديد"، التي تسهلها غياب الإرادة السياسية العربية وقرار دولها المستقل بالمواجهة.

- ما وراء الدبلوماسية، ماذا يعني ذلك لنا؟.

إن تجاهل مصطلح "حل الدولتين" في هذا البيان يشير إلى ثلاثة احتمالات رئيسية وهي باعتقادي:

1. تحول في أولويات الغرب، حيث لم تعد الدول الغربية الكبرى ترى في حل الدولتين مساراً واقعياً، خاصةً في ظل الوقائع الاستيطانية على الأرض وتوقعات الضم القادمة على أساس الحق التوراتي المزعوم الذي تسانده الإدارة الأميركية والتحولات الجيوسياسية الجارية بالمنطقة، وصعود اليمين الإسرائيلي المتطرف القومي الديني، وانشغال الغرب بصراعات دولية أخرى.

2. تكريس الواقع الاستيطاني، استمرار التوسع الاستيطاني يجعل أي حديث عن دولة فلسطينية متصلة جغرافيا أمراً شبه مستحيل، ما يضع الفلسطينيين أمام خيارات أخرى مثل الحكم الذاتي المحدود لكانتونات منعزلة أو الضم التدريجي بالضفة الغربية بعد أن كان الاحتلال قد حسم إلى حدٍّ كبير موضوع القدس وتهويدها واعتبارها عاصمة إسرائيل بموافقة أميركية في انتهاك للقرارات الدولية، وفصل قطاع غزة عن الضفة والقدس وفق ترتيبات غير واضحة المعالم حتى الآن في ظل مجريات التفاوض وقرارات القمة العربية.

3. ترتيبات إقليمية جديدة، قد يكون هناك توجه لتجاوز الحل التقليدي الذي درج الحديث عنه "حل الدولتين"، عبر مشاريع التطبيع الإقليمي، ودمج القضية الفلسطينية في ترتيبات أمنية واقتصادية أوسع في الشرق الأوسط وفق الرؤية الأميركية.

- التداعيات والتوقعات

هذا التحول لن يكون مجرد تعديل في الصياغات الدبلوماسية، بل قد يُترجم إلى سياسات على الأرض تُقصي شعبنا الفلسطيني من دور حقيقي مشروع له في تقرير مصيره. تراجع الدعم الغربي لحل الدولتين يجب أن يدفع شعبنا لإعادة تقييم الرؤية والاستراتيجية لكفاح حركتنا الوطنية، وهو أمر طبيعي، بل وضروري من وجهة نظري سواء بتعزيز المقاومة السياسية والدبلوماسية والقانونية والشعبية في إطار البحث عن حلول بديلة أمام التراجع الدولي الفاضح، مثل الدولة الواحدة الديمقراطية أو إعادة التمسك بذلك المبدأ لكن وفق أسس القرار الأممي رقم 181 الذي دعا إلى دولتين في أرض فلسطين التاريخية مناصفة، وتحمُل استحقاقاته ومتطلباته وتداعياته وفق القانون الدولي، رغم التعقيدات الواردة أمام الخيارين اليوم.

في النهاية، إسقاط مبدأ حل الدولتين من الخطاب الرسمي لمجموعة السبع G7 هو إشارة واضحة على أن شعبنا الفلسطيني أمام مرحلة جديدة وجادة، قد تكون أكثر صعوبة، لكنها تفرض أيضًا إعادة التفكير في الخيارات الوطنية بعيداً عن الأوهام الدبلوماسية، وضرورة تَحمُل منظمة التحرير بحكم مكانتها ودورها المفترض، المسوؤلية التاريخية لإيجاد رؤية واضحة واحدة موحدة لكافة فئات شعبنا في مواجهة تنامي وتسارع التحديات التي أشرت لها (وهنا كنت أتمنى أن أقرأ في حيثيات المذكرة الموجهة من الأخ رئيس المجلس الوطني الإشارة إلى تلك التحديات المصيرية والمفصلية وضرورة نقاشها والتوصل إلى رؤية حول مواجهتها في مذكرته الموزعة أمس 14 آذار حول انعقاد المجلس المركزي في أواخر نيسان والتي أشار بها إلى موضوع "تعديل وتنقيح" بعض بنود النظام الأساسي للمنظمة واستحداث بند حول موضوع نائب رئيس اللجنة التنفيذية رغم أهمية ذلك)، نحو الوصول للتحرر الوطني الديمقراطي خاصةً في ظل حكومات إسرائيلية لا ترى بالتسوية ضرورة وترفض أي مسار سياسي، بل تعمل من أجل تنفيذ مشروع استعماري "إسرائيل الكبرى" على حساب حقوق شعبنا الأصلاني ووجوده عبر محاولاتها المحمومة لشطبه كما تظن من خلال التطهير العرقي والتهجير إلى "أفريقيا"، التي أصبحت تشكل خيارًا لهم كما أشارت المصادر الإعلامية بالأيام الماضية.