الأكثر إيلامًا في كل ما جرى ويجري في قطاع غزة، أن المواطنين هم ضحية القرارات والسياسات الخاطئة لحماس، ولكونهم تحولوا إلى وقود حرب إبادة جماعية مجرمة إسرائيلية، وصلت إلى حد أن تطرح فكرة إقتلاعهم من جذورهم. من المكان الذي لم يعرفوا غيره على امتداد أجيال. واليوم وبعد أكثر من 15 شهرًا من حرب الإبادة، والقتل الجماعي، والتدمير الشامل، لا يزالون يتعرضون إلى حرب من طراز آخر، حرب التجوبع، قطع شريان الحياة عنهم، وإبقائهم تحت ضغط نفسي، ضغط خطط التهجير والحديث الذي يزداد بشأنه، المواطنون في غزة هم ضحية لصراع مستمر لأكثر من مئة عام، لكنهم اليوم يدفعون ثمن مغامرات حماس وإصرارها بأن تكون عنوان الشعب الفلسطيني الممسك بقرار القضية الفلسطينية، على حساب هؤلاء المكلومين ليس، فقط في غزة بل أيضًا في الضفة.

بالتأكيد إن جذر المشكلة واحد هو المشروع الصهيوني، الذي جاء إلى فلسطين مستعمرًا، ومن في قطاع غزة، كما باقي الشعب الفلسطيني هم ضحايا هذا المشروع بالأساس، فغالبية المواطنين في غزة اليوم هُجروا من مدنهم وقراهم خلال حرب عام 1948، ويمكن الإشارة إلى أن 66 بالمئة من سكان قطاع غزة لاجئين، وهناك ثمانية مخيمات للاجئين. بمعنى أن القطاع يمثل نموذجًا للنكبة الفلسطينية. ولكن واقع القطاع تبدل منذ سيطرة حماس عليه بالقوة العسكرية عام 2007، فمنذ ذلك التاريخ عاش قطاع غزة سبعة حروب كانت آخرها الطوفان والذي قاد إلى حرب الإبادة البشعة.

في عام 2005 أعاد جيش الاحتلال انتشاره حول القطاع وتم تدمير المستوطنات التي كانت هناك وسحب كل المستوطنين، وتم توقيع اتفاق بشأن معبر رفح بين مصر وإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والاتحاد الأوروبي، يضمن حق السفر بحرية للمواطنين الفلسطينيين، بوجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي. في ذلك الوقت استبشر الناس خيرًا بخلاصهم من الاحتلال، وأصبح الحديث يدور حول إعادة إفتتاح مطار غزة، وبناء ميناء ضخم، وكانت تطورات ملحوظة تجري للقطاع الصحي والتعليم وكل مناحي الحياة، تغير كل ذلك بعد عام 2007، ودخل القطاع من جديد في دوامة العنف والحروب.

والآن، وفي سياق وقف إطلاق النار والهدنة، وفي سياق المفاوضات لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس، يتم فرض حرب تجويع وحصار مشدد، وقبل أيام قطعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الكهرباء، والمياه العذبة شريحة. وليس معلومًا متى ستنتهي هذه المأساة الإنسانية الفظيعة. ومنذ وقف إطلاق النار قتل جيش الاحتلال اكثر من 150 فلسطيني، ومئات الجرحى.

الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يعيش في ظل عدة مستويات من التهديد، الأول تهديدات نتنياهو بالعودة للحرب بشكل أكثر وحشية، وتهديد التهجير القسري، وخطر الموت جوعًا، والموت من الأمراض ونقص الأدوية. ثمن باهظ يدفعه الفلسطينيون في غزة، وحماس تعتقد انها منتصرة. لأن واشنطن فتحت معها قناة حوار مباشرة، فالهدف لدى حماس كان منذ تأسيسها أن تصل إلى هذه  اللحظة التي تتحدث فيها الولايات المتحدة معها، كل هذه التضحيات التي دفعها المواطنين الفلسطينيين من دمهم واملاكهم ومقدراتهم في قطاع غزة، وفي الضفة، من أجل أن تجلس حماس أمام مبعوثي الإدارة الأميركية، وتقدم لواشنطن  كل التنازلات التي تريدها وأكثر.

الغزيون لا يهمهم لمن تقدم حماس تنازلاتها، إنما هم ينشدون الخلاص من الحروب العبثية، وهم يدركون أن بقاءهم على أرضهم وفي المكان الذي عاشوا فيه هم وأجدادهم، مضمون أكثر بالخطة العربية التي وافق عليها كل العرب في قمة القاهرة الأخيرة، وهي الخطة التي تنهي الانقسام، وتعيد توحيد القطاع مع الضفة، وتمكين السلطة الفلسطينية صاحبة الولاية القانونية على أراضي الدولة الفلسطينية. خطة تنقل القطاع إلى عصر البناء والتنمية والسلام. هذا ما ينشده الغزيون، ولكن السؤال هنا ما الذي تنشده حماس؟.