يبدو أن حماس، سعت إلى ما تريد من وراء هجوم السابع من أكتوبر 2023 وهو التحدث مع الولايات المتحدة والجلوس معها على أمل الاعتراف بها.
وبالمناسبة لم يكن لحماس هدف أثمن وأغلى من هذا الهدف. إلى جانب هدف أو في سياقه أن تكون بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية. كل التضحيات التي دفعها الشعب الفلسطيني بسبب مغامرات حماس منذ مطلع التسعينيات من القرن العشرين وحتى تدمير قطاع غزة بالكامل بعد هجوم السابع من أكتوبر، كل ذلك كي تصل حماس لهذه اللحظة. أن تجلس معها الولايات المتحدة. وكل ما كانت حماس تدعيه من أهداف أخرى هو محض أكاذيب. ولكن، وفي ظل إدارة مثل إدارة ترامب في البيت الأبيض يطرح السؤال الكبير ما هو الثمن الذي على حماس دفعه مقابل هذا الجلوس، هل سيقتصر الأمر على مسألة المحتجزين الإسرائيليين أم أن حماس يمكن أن تقايض على ما هو أكبر مقابل الحفاظ على أي شكل من أشكال بقائها في قطاع غزة؟.
من وجهة نظر حماس فإنها وصلت للعنوان الصحيح لتقدم له كل تنازلاتها الاستراتيجية، وقد تقدم حماس لواشنطن ما عجزت الأخيرة أخذه من السلطة الوطنية الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، فحماس على استعداد اليوم ليس للتنازل عن سلاحها وشعار: المقاومة وحسب، إنما الخشية أن توافق على كل ما تريده واشنطن، والذي هو بالضبط ما تريده إسرائيل وحكومة اليمين المتطرف، في قطاع غزة، وهو أن يبقى القطاع مفصولاً عن الضفة ويقام فيه إدارة مدنية لحماس فيها والأمن يبقى بيد إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وربما بعض العرب من رعاة حماس يلائمهم ذلك. وقد تتسع دائرة التنازل الحمساوي ليمتد إلى الضفة والذي لم يكن هدف التصعيد الحمساوي فيها مختلفًا عن هدف هجوم السابع من أكتوبر. أي أن يعتمد الراعي الأميركي ممثلاً بالشعب الفلسطيني، ولاحقًا أن تعتمدها إسرائيل ذاتها بعد أن تكون حماس قد قدمت كل التنازلات التي تريدها تل أبيب.
مسار حماس منذ تأسيسها، وكل ما قامت به من أعمال "مقاومة " كان الهدف منه أن تصبح هي. ومن فوقها جماعة الإخوان المسلمين هم من يمسكون بقرار القضية الفلسطينية، ليس من أجل فلسطين إنما من أجل أن يتم مقايضته مع واشنطن والقبول بالجماعة ليس لتقرير مصير القضية الفلسطينية، وإنما مصير الأمة العربية.
لقد كان شعار حماس تمامًا كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني المعروف "يا لعيبها يا خريبها"، بمعنى إما أن تكون حماس هي من يتم الاتفاق معها أو أنها ستخرب أي صيغة يتم التوافق عليها مع منظمة التحرير الفلسطينية، وبهذا كانت حماس وطوال الوقت متقاطعة مع اليمين الصهيوني في تخريب كل مسار أوسلو، واليوم وفي اللحظة التي يتفق بها العرب على خطة لإعادة إعمار غزة بتوافق مع منظمة التحرير، تظهر حماس وهي تغرد منفصلة في التواصل مع إدارة ترامب وعقد صفقات معها.
قد لا تكون الإدارة الأميركية معنية بأي صفقة مع حماس أكثر من موضوع المحتجزين الإسرائيليين، ولكن حماس معنية وستحاول تقديم نفسها عبر الاتصالات المباشرة بأنها ستكون في غاية المرونة إذا ما تم اعتمادها بدل المنظمة والسلطة الوطنية. بالمقابل قد ترى إدارة ترامب أن لديها فرصة مع حماس هي أفضل بكثير من تلك التي مع السلطة الفلسطينية، أو على الأقل أن تفكر واشنطن أن بإمكانها أن تستخدم تواصلها مع حماس لانتزاع تنازلات أكثر من القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، وفي كلا الحالتين فإن الخاسر الأكبر هو القضية الفلسطينية.
بالنسبة لحماس فهي تعتقد اليوم أنها أمسكت بطرف الخيط الأميركي، وهي لحظة انتظرتها طويلاً وقدمت من أجلها كل هذا الدم الفلسطيني، وكل هذا الدمار الذي لحق بقطاع غزة والضفة الغربية. وطوال الوقت كانت حماس ترفض الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت ترفض إنهاء الانقسام وفصل قطاع غزة عن الضفة لتصل إلى هذه اللحظة وهي الجلوس على طاولة واشنطن. وها هي وصلت، ولكن هل سيسمح لها الشعب الفلسطيني بأن تقدم التنازلات باسمه؟ هنا المحك، وهل سيصحو الشعب الفلسطيني من حجم التضليل الذي مارسته حماس وحلفاؤها عليه؟.
كل ما نتمناه أن تصحو حماس نفسها قبل فوات الأوان.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها