يوم المرأة العالمي الذي يوافق اليوم السبت 8 آذار/مارس الحالي، مناسبة هامة للانحناء تحية وتقديرًا وتبجيلاً للمرأة في أنحاء الكون، لدورها التاريخي في تحمل مسؤولياتها تجاه المجتمعات، التي تعيش النساء بين ظهرانيها، ولقاء المعاناة والتعسف والاضطهاد الذي يواجهنه في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والمالية والوظيفية والقانونية والسيكولوجية، رغم أن المرأة تشكل النصف الأجمل والأكثر عطاءً والتحامًا بأوطانها، كونها حاضنة الأسرة، ومدماكها الأساسي، ومرسخة جذورها في تراب بلدانها وأوطانها. فلا قيمة للأسرة نواة المجتمع الأولى دون المرأة عمود الخيمة فيها، ولا استقرار للعائلة دون السنديانة والحامية لمرتكزاتها، ولا نمو للمجتمع دون حاضنة ووعاء المجتمع، ولا تطور للمجتمع من غير دينامو عجلة الحياة المركزية التي تتمثلهاالمرأة.

إذن الثامن من آذار/مارس من كل عام يعتبر لحظة وفاء من الرجال، كل الرجال لأمهاتهم وزوجاتهم وبناتهم وصديقاتهم وزميلاتهم، والمجتمع عمومًا بكل مستوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية، عرفانًا بدورهن الريادي والقيادي في الأسرة والمجتمع. وهي لحظة بسيطة وثانوية مقابل عظمة العطاء والتضحيات الجسام، التي قدمتها وتقدمها المرأة. لا سيما أنها شريك أساسي في بناء وتطور المجتمع، وحمايته من التبديد والاندثار أو التآكل، حيث لا يمكن لأي مجموعة بشرية من التطور دون المرأة. ولن يفلح أنصار المثلية الجنسية المتهافتة في تبديد تركيبة المجتمع الجنسية، وتوزيع المسؤوليات بين المرأة والرجل، ولا يمكن مصادرة دورها، أو تغييبها، أو تجاوزها، وأيًا كانت القوانين التي تصدرها بعض دول الغرب للتآمر على الجنس البشري عمومًا، والنساء خصوصًا تحت ذريعة الحرية الشخصية، ولغاية خبيثة تستهدف النمو السكاني، وقلب معايير وقيم المجتمعات البشرية، وتحويلها لمركبات مشوهة ومنافية ومخالفة لتعاليم الديانات السماوية والنظريات والفلسفات الوضعية.

وتحتل المرأة على الصعيد الفلسطيني دورًا رياديًا وخلاقًا، وركنًا أساسيًا في حماية المجتمع وعلى المستويات كافة النضالية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والثقافية، حيث قامت وتقوم على مدار تاريخ الصراع الطويل مع الأعداء عمومًا بتحمل مسؤوليات جسام في مناحي الحياة المختلفة. وتجلى دورها العظيم في مختلف الحروب، وخاصة في زمن الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في عموم الوطن، وكافة التجمعات الفلسطينية في الوطن والشتات والمهاجر والمغتربات في حماية الهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية، وكانت مع الأطفال عنوانًا وهدفًا مركزيًا من أهداف الإبادة، حيث كانت نسبة الشهداء من النساء والأطفال تصل إلى نحو 70%، ولم يكن ذلك من باب الصدفة، أو نتيجة خطأ في تقدير عمليات الإبادة، إنما استهداف مقصود لتعميق وتوسيع دائرة الإبادة الجماعية قبل وبعد 7 تشرين الأول/أكتوبر2023 وحتى اللحظة الراهنة وخاصة في قطاع غزة، فبلغ عدد الشهيدات 12,316 ألفًا وارتقى من الأطفال 17,881 ألف شهيد من إجمالي الرقم المعلن من وزارة الصحة، وهو 48,446 ألف شهيد، ونحو 14,222 ألف مفقود تحت الأنقاض، فضلاً عن تعرضهن مع الأطفال للنزوح من أماكن سكنهم بما يقارب مليونا و900 ألف، كما تتحمل نحو 14 ألفًا من النساء واقعًا تراجيديًا مأساويًا نتاج فقدهن لأزواجهن، ما ألقى عليهن أعباءً إضافية في رعاية أسرهن الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والنفسية في ظل الحصار الخانق، وانعدام أبسط مقومات الحياة من المأكل والمشرب وأماكن الإيواء.

وهذه التحديات الجسام التي تتحملها المرأة الفلسطينية، تكشف عن الدور الرائد لها في حماية المجتمع الفلسطيني، وتعزيز وحدته وتماسكه، ودفاعها عن صمود أبناء الشعب وتجذرهم في تراب الوطن الفلسطيني، وتصليب عود الأطفال والشباب من الجنسين في صون القضية والأهداف الوطنية، رغم قساوة وبشاعة الوضع المأساوي الناجم عن الإبادة الجماعية الإسرائيلية. ومع ذلك لم تهن عزيمة المرأة للحظة واحدة، رغم هول النكبة والكارثة غير المسبوقة في تاريخ الصراع الطويل مع الاحتلال الإسرائيلي.

هذه المرأة الشجاعة والبطلة كانت وما زالت أحد عناوين الصمود والبقاء والتجذر في الأرض الفلسطينية العربية، والتي ترفع لها القبعة امتنانًا وتقديرًا واعتزازًا لدورها المركزي والريادي على مدار الأيام والشهور والسنين، وخاصة في يومها العالمي، يوم المرأة العالمي، وهو ما يستدعي منا جميعًا تثمين هذا الدور الأساسي والهام للمرأة الفلسطينية، وتعزيز مكانتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية كمساوية للرجل في مناحي المجتمع كافة.