في ظل تداعيات العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، فجرت الصحافة العبرية فضيحة سياسية كبرى من العيار الثقيل، حملت عنوان "قطر غيت"، كشفت عن شبكات تمويل قطرية استهدفت التأثير على الموقف الإسرائيلي الرسمي لصالح تحسين صورة الدوحة، مقابل تراجع الدور المصري التقليدي في إدارة الملف الفلسطيني.
ما بين عزمي بشارة، حركة حماس، والدور المصري، تتضح ملامح معركة إقليمية صامتة لكنها شديدة التأثير على مستقبل قطاع غزة والمنطقة بأكملها.
المال القطري من الدوحة إلى تل أبيب، بحسب تقارير صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تلقى مقربون من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أموالاً قطرية عبر شركات واجهة، بهدف إعادة صياغة العلاقة بين إسرائيل وقطر، وتعزيز مكانة الدوحة كوسيط بديل لمصر في إدارة ملفات أزمات قطاع غزة.
هذا التمويل السري الذي شمل محامين ومستشارين، كُشف بعد ضغوط أميركية لفحص صلاحية نتنياهو بعد نهاية حرب غزة الأخيرة.
- عزمي بشارة من الكنيست إلى الدوحة
المفكر الفلسطيني بشارة، عضو الكنيست السابق، ظهر كعراب للعلاقات القطرية الإسرائيلية، حيث لعب دورًا محوريًا في بناء شبكة إعلامية وثقافية تُبرر التحركات القطرية، وتدفع باتجاه خطاب سياسي يمهد للدوحة موطئ قدم في ترتيبات ما بعد الحرب.
تسريبات عبرية أكدت أن بشارة نسّق لقاءات سرية، وأسهم في صياغة رواية إعلامية تقدم قطر كفاعل إنساني بديل عن الوساطات الأمنية التقليدية.
حماس ترزح بين مطرقة الدمار الذي خلفه العدوان وسندان المال القطري الذي كان يقدم من أجل دوام التهدئة، أما اليوم وما بعد الحرب بالنسبة لحركة حماس فقد يتغير الوضع عما كان عليه قبلها ، فإن الاعتماد على الدعم المالي القطري خلال السنوات الماضية كان سيفًا ذا حدين.
ففي حين حافظ التمويل على الحد الأدنى من الاستقرار داخل غزة، إلا أنه كشف مع العدوان الأخير هشاشة المعادلة، اليوم بنية عسكرية مدمرة،
وضع شعبي ناقم.
لقد تم انكشاف الدعم القطري كدعم مدروس وموجه لتحقيق غايات وأهداف معينة ومتفق عليها أكثر منه مجرد دعم إنساني بحت.
ومع اشتداد الحصار والمطالب الدولية بإعادة هيكلة السلطة في قطاع غزة، تواجه حماس خطر فقدان السيطرة تدريجيًا ما لم تعيد ضبط علاقاتها الإقليمية وتراجع استراتيجيتها.
مصر تبحث عن استعادة زمام المبادرة، لطالما كانت القاهرة الوسيط الحتمي في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، غير أن تحركات قطر، والتسهيلات الإسرائيلية لتلك التحركات قبل الحرب وبعدها، أضعفت الدور المصري التقليدي لصالح التأثير والنفوذ القطري.
اليوم تسعى مصر لتعويض ذلك بالانفتاح على تحالفات عربية جديدة، وفرض نفسها كضامن رئيسي لأي صفقة إعادة إعمار أو تهدئة مستدامة في غزة.
- أثر "قطر غيت" على مخططات التهجير والإعمار
كشفت التقارير الغربية والإسرائيلية عن تنامي نقاشات داخل غرف القرار حول "خيار ما يسمى التهجير الطوعي" لسكان قطاع غزة إلى دول أخرى، خصوصًا مع تفاقم الأوضاع الإنسانية وتدمير البنية التحتية خلال العدوان الأخير.
في هذا السياق، تظهر "قطر غيت" كجزء من معادلة سياسية أكبر، حيث تسعى بعض الأطراف إلى استخدام الدعم المالي القطري كوسيل، لدفع بعض سكان غزة إلى الهجرة تحت غطاء "برامج إنسانية"، أو لتهيئة الرأي العام لتقبل حلول توطينية جزئية، خصوصًا في دول المنطقة وغيرها .
في المقابل، فإن مشاريع الإعمار أصبحت أيضًا رهينة لهذه الحسابات المعقدة، حيث تحاول القوى الإقليمية، وفي مقدمتها مصر، فرض شروط تمنع قطر من السيطرة الكاملة على إدارة الإعمار، خشية توظيفه لإعادة تأهيل حماس سياسيًا أو تعزيز نفوذ الدوحة في القطاع، بحسب تحليل نشرته "جيروزاليم بوست" ( في 25 نيسان/أبريل 2025): "توزيع أموال الإعمار سيكون جزءًا من معركة النفوذ القادمة في غزة، وسيتحدد عبره مستقبل حركة حماس، ومصير سكان القطاع".
هكذا، فإن قضية "قطر غيت" ليست مجرد فضيحة فساد، بل حلقة ضمن سلسلة معارك استراتيجية أوسع تشمل إعادة تشكيل الخريطة السكانية والسياسية لقطاع غزة، بما قد يمس جوهر القضية الفلسطينية ذاتها، فهل تدرك حركة حماس خطورة اللحظة التاريخية التي تمر بها القضية الفلسطينية وتتخلى عن تفردها بإدارة قطاع غزة، وتعلن انسحابها إدارتها منه، وتسليم ذلك للسلطة الفلسطينية الأقدر منها على ذلك، أشك في ذلك.
- أمام التطورات الراهنة، يبدو أن الخيارات أمام حماس باتت محدودة وصعبة:
مثل قبول تهدئة طويلة الأمد بإشراف إقليمي، مع تراجع دور قطر لصالح مصر وأطراف خليجية أخرى.
أو استمرار الاعتماد على الدعم القطري ولكن ضمن سقف منخفض وتحت رقابة دولية مشددة. أو احتمال انفجار داخلي في قطاع غزة إذا فشلت جهود الإعمار وأدى الغضب الشعبي إلى تغيير المشهد السياسي.
- بالمقابل، تعمل إسرائيل على ضبط معادلة دقيقة: إبقاء حماس ضعيفة بما يكفي لعدم تشكيل تهديد، ولكن قوية بما يمنع فراغًا تملؤه جماعات أكثر تطرفًا.
إذًا قضية "قطر غيت" كشفت الوجه الآخر للدبلوماسية الشرق أوسطية الحديثة المتمثلة في المال، الإعلام، والعلاقات السرية أكثر تأثيرًا من المفاوضات العلنية التقليدية.
وفيما تحاول قطر حماية مصالحها، تبدو مصر أمام فرصة تاريخية لاستعادة دورها القيادي، بينما تبقى غزة كعادتها، الضحية الكبرى لصراعات الكبار.
إن مستقبل القطاع يتوقف اليوم على مدى نجاح القوى الفلسطينية ممثلة في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية باعتبارهما الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، والدول العربية الوازنة، مصر والسعودية والأردن والجزائر، ومعهم بقية الدول الشقيقة والصديقة، في تجاوز لعبة المحاور التي استخدمت واستثمرت شرَّ استثمار في القضية الفلسطينية، وصياغة مشروع وطني فلسطيني عربي حقيقي، مستقل عن حسابات المصالح والمحاور الإقليمية والدولية، التي قادة الوضع الفلسطيني إلى الصورة الكارثية التي باتت عليها غزة والقضية الفلسطينية برمتها، ويؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران وفق الشرعية الدولية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق القرار رقم 194، نتمنى ونعمل على تحقيق ذلك.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها