شهد العالم تحولات جذرية في وسائل الاتصال، مما جعل الإعلام الرقمي والتقليدي أداة قوية في تشكيل الرأي العام، خاصة في القضايا الحساسة مثل القضية الفلسطينية، فقد أدركت القوى الصهيونية مبكرًا أهمية الإعلام في إدارة الصراع، وعملت على بناء منظومة إعلامية مزدوجة قادرة على التلاعب بالحقائق وتضليل الرأي العام العالمي، من خلال نشر روايات مضللة وتزييف الواقع بما يخدم أجنداتها السياسية.

- الإعلام الصهيوني المزدوج: تكتيك التضليل والتوجيه، يعتمد الإعلام الصهيوني على استراتيجية مزدوجة تقوم على خطين رئيسيين:

1. الإعلام الموجه إلى الداخل الإسرائيلي: يهدف إلى توحيد المجتمع الإسرائيلي حول السردية الصهيونية، وتعزيز مشاعر الخوف من الفلسطينيين، وتصوير أي مقاومة فلسطينية على أنها "إرهاب" يستهدف الوجود الإسرائيلي، يتم ذلك عبر التحكم في الأخبار، وتقديم صورة مشوهة عن الفلسطينيين، وتحريف الوقائع المرتبطة بالاحتلال والممارسات القمعية، مما يسهم في تعزيز خطاب الكراهية والعنصرية داخل الكيان الصهيوني.

2. الإعلام الموجه إلى الخارج: يسعى إلى كسب التعاطف العالمي مع (إسرائيل) وتشويه صورة الفلسطينيين في الإعلام الغربي، حيث يتم توظيف خطاب "الدفاع عن النفس" لتبرير الجرائم الإسرائيلية، وتحريف الأخبار لإبراز إسرائيل كضحية، يتم استخدام وسائل الإعلام الكبرى، ومنصات التواصل الاجتماعي، ومراكز الأبحاث، وشركات العلاقات العامة، للتأثير على السياسات الدولية والمجتمعات الغربية، ومنع أي تعاطف مع القضية الفلسطينية.

وتعمد إلى تزييف الحقائق عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، حيث أصبحت وسائل التواصل مسرحًا للحرب الإعلامية، فقد وظفت إسرائيل أدوات متطورة في التلاعب بالمحتوى الإعلامي، مثل:

- التلاعب في المصطلحات: يُستخدم الإعلام الصهيوني مصطلحات مشحونة عاطفيًا لتزييف الواقع، مثل استبدال كلمة "احتلال" بـ "نزاع"، و"مقاومة" بـ "إرهاب"، و"مستوطنة" بـ "حي يهودي"، مما يغير طبيعة الصراع في أذهان المتلقي من  الجمهور العالمي.

- حجب الرواية الفلسطينية: تعمل  (إسرائيل) على قمع المحتوى الفلسطيني عبر الضغط على شركات التكنولوجيا الكبرى مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام لحذف المنشورات التي تفضح الجرائم الإسرائيلية، أو تقليل وصولها للجمهور.

- الذباب الإلكتروني والروبوتات الإعلامية: يتم استخدام جيوش إلكترونية لنشر الدعاية الصهيونية، والتشويش على النقاشات المؤيدة لفلسطين، وتضليل الرأي العام عبر حملات التضليل المنظمة.

- فبركة الأخبار والصور: يتم تداول صور ومقاطع فيديو مزيفة لاتهام الفلسطينيين بالعنف، أو تبرير القمع الإسرائيلي، أو نشر أخبار كاذبة لخلق رأي عام معادٍ للفلسطينيين.

- الأثر السياسي والإعلامي لهذه الحملات: يساهم الإعلام الصهيوني في تشكيل سياسات دولية منحازة لإسرائيل، حيث تؤثر الروايات المضللة على القرارات السياسية للولايات المتحدة وأوروبا، مما يوفر الغطاء القانوني والدبلوماسي لانتهاكات الاحتلال، كما تؤثر هذه الحملات على الرأي العام العالمي، حيث يتم التلاعب بمشاعر الشعوب من خلال توظيف الإعلام في تصوير إسرائيل كـ"دولة ديمقراطية" محبة للسلام محاطة بأعداء يريدون تدميرها.

- كيف نواجه هذه الحرب الإعلامية؟.

لمواجهة هذا التزييف، يجب تعزيز الإعلام الفلسطيني والعربي، وتطوير أدواته الرقمية، والاستفادة من الصحافيين المستقلين والمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي لنشر الحقائق، كما يجب دعم المبادرات التي تفضح الانحياز الإعلامي، وتشجيع حملات التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية من خلال الأدلة الموثقة والمواد الإعلامية الجذابة، ووقف المهاترات الداخلية  ونشرها، والتي فاقت في أثرها الإعلام الصهيوني  في تشويه الذات الفلسطينية، وخاصة من قبل  الجيش الإليكتروني الخاص بجماعة ما يسمى  بمحور المقاومة وعلى رأسه ادعاء التيارات  السياسية الإسلامية، التي تكاملت مهامها مع مهام الإعلام الصهيوني.

وفي النهاية، يبقى الإعلام أحد أهم ميادين الصراع في القضية الفلسطينية، حيث تسعى إسرائيل عبر منظومتها الإعلامية إلى غسل العقول وتزييف الوعي، لكن الوعي الشعبي المتزايد، وظهور وسائل إعلام بديلة، يفتحان الباب أمام كسر هذا الاحتكار الصهيوني للرواية الإعلامية.