بقلم: طارق الأسطل

يرتجفون بردًا، فيحاولون الاحتماء بخيام مهترئة تقيهم رياح الشتاء، وبردها القاسي، هذا هو حال النازحين على امتداد ساحل خان يونس، ورفح جنوب قطاع غزة، بعدما هُجّروا من منازلهم قسرًا، ولجأوا إلى شاطئ البحر، الذي تعبره رياح شديدة في أغلبية الأيام، كانت سبباً في اقتلاع الخيم عدة مرات.

مليونا نازح في قطاع غزة يعانون انعدام المأوى، وشح الطعام والشراب، فصاروا يصارعون للبقاء على قيد الحياة، لا سيما الذين يبيتون في الخيام، أو العراء، بفراش وأغطية مهلهلة لا يمكنها أن تقيهم وأسرهم البرد القاسي.

ومع تواصل العدوان على قطاع غزة لليوم الـ433، لم يعد النازحون يستطيعون شراء الخيام، أو حتى تأمين احتياجاتهم الأساسية، فبات الكثيرون منهم يفترشون الأرض، ويقتاتون لقمة عيشهم من التكيات، فلم تعد هناك أدنى مقومات للحياة.

حتى الخيام لا يستطيع الجميع الحصول عليها، فالنازح حمادة كموس من سكان بيت لاهيا شمال غزة، يتمنى أن يحصل على خيمة تؤويه وأسرته من البرد على شاطئ البحر غرب منطقة مواصي خان يونس.

ويصف كموس (25 عامًا)، وهو أب لأربعة أطفال أصغرهم طفل مولود قبل شهر، وضعه المعيشي الحالي بـ"المأساوي"، قائلاً: أتعذب يوميًا عندما أرى أولادي يرتجفون من البرد خلال الليل، ولا استطيع فعل أي شيء لهم.

وأضاف: أملي الوحيد في هذه الدنيا أن أحصل على خيمة، ولكن لا استطيع تحمل تكلفتها التي تصل إلى أكثر من 4000 شيقل، بدلاً من الغرفة المهترئة والمصنوعة من البطانيات وبعض الخشب الرديء التي لا تحتمل الرياح والأمطار، ولا تقي البرد.  

أما المواطن هاني أبو حمدة (50 عامًا) من سكان غزة فيأمل هو الآخر في أن يحصل على خيمة جديدة، في مكان بعيد عن الشاطئ، بدلاً من خيمته المكونة من الأخشاب والنايلون والتي لا تقيه المطر والبرد القارس.

وأضاف أبو حمدة: أنه "تعرض خلال المنخفض الأخير لرياح شديدة وأمطار غزيرة، أدتا إلى إلحاق أضرار بالخيمة، وإغراق جميع أمتعته، كما يعاني أفراد أسرته المكونة من تسعة أفراد نزلات البرد، والأمراض المعوية، بسبب البرد الشديد".

القاسم المشترك بين النازحين يبقى الحنين إلى بيوتهم، التي سُوّيت بالأرض، ممزوجًا بالألم على ما فقدوه.

محمد حجاج (51 عامًا) من سكان الشجاعية، ومحمد اسبيتة (32 عامًا) من سكان غزة، يرويان معاناتهما وأسرهما على الشاطئ بالقول: نعاني الأمرّين على الشاطئ، بسبب البرد الشديد، ونتمنى أن نعود حتى لو على أنقاض ركام منازلنا، ولا نبقى هكذا، فالحصول على خيمة حلم صعب تحقيقه، بسبب تكلفتها العالية.

ويشير النازح جمال أبو موسى من خان يونس، الذي يعيل أسرة مكونة من تسعة أفراد، إلى أن الأوضاع الصحية والنفسية تزداد تدهوراً مع مرور الأيام، مبينًا أنه قبل أسبوع استهدف الاحتلال مواقع قريبة من الخيام التي تقطنها العائلات النازحة، ما أدى إلى اندلاع حرائق واسعة في بعضها، وإلحاق أضرار فادحة بعدد كبير منها.

وتابع: شظايا القصف وصلت إلى خيمته على الشاطئ، وألحقت أضرارًا مادية فادحة بها، كما أصيب طفله الذي لا يتجاوز من العمر عامين ونصف عام بشظية في قدمه، أدت إلى كسرها، وأُجريت له ثلاث عمليات متتالية.

لم تعد الحياة إلى قطاع غزة، ولا تزال ممزوجة بغصّة فقد الأحبة ممّن قضوا تحت الأنقاض، فعن أي أحلام سيتحدثون وأحبتهم دُفنوا تحت الركام؟.