بقلم: زهير طميزة
تضم قرية الولجة الملاصقة لمدينة بيت جالا، شمال غرب بيت لحم، أقدم شجرة زيتون في فلسطين والتي يقدر عمرها بأكثر من 5 آلاف عام، لكن الشهرة الأوسع من نصيب زيت الزيتون "البيتجالي"، فهو الأغلى سعرًا في فلسطين على الإطلاق، وسواء كانت السنة وافرة بالزيتون "ماسية" أو شحيحة الإنتاج "شلتونية"، فإن زيت بيت جالا لا يتأثر بقواعد العرض والطلب. تحسبه الذهب في زمن الحروب، حيث سعره دائمًا في صعود. فما سر هذا التميز وهذه السمعة التي طبقت الآفاق؟
يقول المزارع بشير الصوص من بيت جالا: إن "ثلاثة عوامل أساسية لعبت دورًا في نسج أسطورة زيت بيت جالا، وهي الدين والتاريخ والجغرافيا، فزيت بيت جالا مرتبط بقدسية دينية ما، حيث كثرت مع انتشار الديانة المسيحية زراعة الزيتون في محيط الأديرة والكنائس، واستخدمه الرهبان غذاء ودواء، وكمصدر للإضاءة والتدفئة، وهو مذكور في الكتاب المقدس كمصدر للنور، وبالتالي هناك هالة من القدسية لشجرة الزيتون وزيتها وخاصة في بيت لحم مهد الديانة المسيحية ومنبع تراثها".
واستطرد المزارع الصوص، بأن العامل الثاني الذي لعب دورًا مهمًا في شهرة الزيت "البيتجالي"، هو التاريخ، إذ اشتهرت بيت جالا تاريخيًا بالزيتون البلدي الروماني القديم، فالبلدة قبل أن تتحول إلى مدينة كانت، وحتى وقت قريب، عبارة عن بستان مترامي الأطراف من الزيتون الرومي القديم، المعروف بجودة زيته وتميزه عن غيره من أنواع الزيتون.
أما دور الجغرافيا فهو أساسي كما قال الصوص، لأن زيتون بيت جالا في أغلبه مزروع في رؤوس الجبال أو المنحدرات والسفوح، ما يمنع تجمع المياه حول الشجرة لفترة طويلة، وبالتالي تزداد كثافة الزيت وتقل نسبة المياه فيه، ما يمنحه طعمًا مميزًا "فيه لسعة أو حرقة مميزة".
ويؤكد الصوص بأنه يستطيع تمييز طعم زيت بيت جالا بسهولة من بين كل أنواع الزيت الأخرى.
من جانبه قال روبرت أبو عيد مدير الجمعية التعاونية لعصر الزيتون في بيت جالا: إن "سلوك المزارع في موسم القطاف يلعب دورًا أساسيًا في جودة الزيتون، فالالتزام بموعد القطاف يرفع من جودة الزيت "الوقت الأنسب بالنسبة لبيت جالا هو نهاية أكتوبر/تشرين الأول، وبداية نوفمبر/تشرين الثاني"، لأن التبكير في القطاف يُضعف جودة ونسبة الزيت في حبة الزيتون، وكذلك التأخر يؤدي إلى زيادة الحموضة وبالتالي يضعف من الجودة، وأيضًا يجب فرز الحبة السليمة عن الحبة المصابة، والأهم، حسب أبو عيد، الالتزام بمقولة أجدادنا "من الشجر إلى الحجر" أي لا يجب التأخر في عصر الزيتون بعد قطفه".
وأضاف أبو عيد: أن الموقع الجغرافي لبيت جالا وإطلالتها على تيارات هواء الساحل العليل، وكمية الإضاءة الجيدة التي يتعرض لها الزيتون، إضافة إلى عوامل أخرى مثل نوع الزيتون واهتمام المزارع وعنايته بأشجاره، كلها تلعب دورًا في تميز زيت بيت جالا وبالتالي ارتفاع أسعاره.
وفي المقابل قال المهندس الزراعي محمد صافي" إن "السر في ارتفاع سعر زيت بيت جالا يكمن أولاً في قدرة "البيتجاليين" على خلق سمعة وشهرة واسعتين لجودة زيتهم، ما حوله إلى ما سماه "علامة تجارية"، وهو أمر يحسب لهم".
أما من الناحية العلمية فأوضح المهندس صافي أن معيار قياس الفرق بين أنواع الزيت المختلفة، يكمن في ثلاثة أمور هي: الطعم ونسبة الحموضة ورقم الفحص المخبري المسمى "بيروكسايد". والاختلاف الأساسي بين زيت شمال الضفة الغربية وزيت الجنوب عامة، ومنه زيت بيت جالا، يكمن في الكثافة، أي نسبة المياه في الزيت، فزيت الشمال أقل كثافة بسبب غزارة الأمطار التي تسقط هناك وزيت الجنوب أعلى كثافة بسبب قلة الأمطار مقارنة بمناطق الشمال.
ومن جهته قال رئيس الجمعية التعاونية لعصر الزيتون فلاديمير خروفة: إن "المساحة المزروعة بالزيتون في بيت جالا تتضاءل سنة تلو الأخرى، بفعل إجراءات الاحتلال وحرمان المزارعين من الوصول إلى أراضيهم خلف الجدار وقرب المستوطنات، وشق الطرق الاستيطانية الواسعة، وكذلك بسبب الغزو العمراني للأراضي الزراعية في المنطقة المصنفة (أ)، حيث أدى ارتفاع أسعار الأراضي ومحدودية المساحة، إلى الإقبال على بيع مساحات كبيرة للمستثمرين الذين حولوها إلى عمارات سكنية بحيث طغى لون الحجر الأبيض على لون الزيتون الأخضر الذي يشكل جزءا من هوية وتاريخ المكان".
وبغض النظر عن اختلاف الأسباب والمسببات والآراء حول طبيعة زيت بيت جالا، تظل الحقيقة الصلبة في أنه الأغلى سعرًا والأكثر إثارة للفضول والتساؤل، ولا دخان بلا نار.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها