بقلم: محمد دهمان

في غزة، حيث الموت يحاصر الجميع، يقف الصحفيون الفلسطينيون في مقدمة المواجهة، لا يحملون سلاحًا، بل كاميرات وأقلامًا، وينقلون إلى العالم صورة العدوان الإسرائيلي الذي لا يميز بين مدني وصحفي.

ومع اشتداد العدوان، يتواصل الاستهداف الممنهج للإعلام الرسمي الفلسطيني، وعلى رأسه وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا" وتلفزيون فلسطين وجريدة الحياة الجديدة، في محاولة لطمس الحقيقة وكسر إرادة الصحفيين. ورغم القصف والاستهداف والنزوح، يصر الصحفيون الفلسطينيون على أداء واجبهم المهني والوطني، رغم أن تكلفة الكلمة قد تكون حياتهم.

وأكد المشرف العام على الرسمي أحمد عساف أن الإعلام الرسمي الفلسطيني بات في مقدمة المواجهة لكشف الحقيقة وفضح جرائم الاحتلال.

وأضاف: أن الإعلام الرسمي يعمل على تخصيص بثه بمختلف اللغات لدعم غزة والأسرى، مشددًا على ضرورة تعزيز الجهود الإعلامية لمواجهة الحرب الممنهجة التي تستهدف الصحفيين والمؤسسات الإعلامية الفلسطينية. وأشار عساف إلى أن الاحتلال لا يكتفي باستهداف الإعلاميين جسديًا، بل يسعى لتدمير البنية التحتية للإعلام الفلسطيني، من خلال قصف المقرات الصحفية وقطع الاتصالات والإنترنت، لمنع نقل صورة الجرائم التي تُرتكب على الأرض.

- عندما تصبح مهنة المتاعب مهنة الموت

"كلنا نعلم أن الصحافة مهنة المتاعب، ولكن في غزة، أصبحت مهنة الموت"، بهذه الكلمات اختصر الصحفي فؤاد جرادة، مراسل تلفزيون فلسطين، الواقع الذي يعيشه الإعلاميون الفلسطينيون خلال العدوان المستمر. فبينما يفترض أن يكون الصحفيون شهودًا على الأحداث، أصبحوا جزءًا منها، يدونون معاناتهم كما يدونون معاناة الناس.

ويروي مراسل وكالة "وفا" سامي أبو سالم، كيف تحولت الحياة اليومية للصحفيين إلى معركة بقاء قبل أن تكون معركة نقل للأخبار.

ويقول: "قبل أن نفكر في العمل، علينا تأمين الماء والطعام وشحن الهواتف، حيث تقطع الكهرباء لساعات طويلة، وأحيانًا نضطر لحمل دلاء المياه بأيدينا لأن المضخات الكهربائية لا تعمل. ورغم ذلك، نخرج يوميًا، ونحن ندرك أننا قد لا نعود".

أما الزميل الصحفي حسين نظير السنوار، فقد كان نزوحه القسري أحد أكبر التحديات التي واجهها، إذ اضطر إلى تغيير مكان إقامته تسع مرات.

ويقول: "في كل مرة كنت أحاول أخذ ما تبقى لي من أدوات العمل، لكن الاحتلال لم يترك لنا شيئًا. عندما نزحت إلى مواصي خان يونس، جاءتني مكالمة تحذر من قصف وشيك، فخرجنا بسرعة، وبعدها بدقائق، احترقت خيمتي بالكامل، بما فيها معداتي الصحفية، وأوراقي الرسمية، وحتى أموالي".

- الصحفيون أهداف مباشرة وقائمة الشهداء تتوسع

لم يكن استهداف الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين الفلسطينيين مجرد حادث عابر، بل نهجًا واضحًا لإسكات صوت الحقيقة. فإلى جانب استهداف المقرات الصحفية وقصف محطات البث، استشهد أكثر من مئتي صحفي، كان من بينهم محمد أبو حصيرة، أحد صحفيي وكالة "وفا"، الذي استشهد مع جميع أفراد أسرته بعد أن استهدف الاحتلال منزلهم.

وفي مشهد آخر يعكس استهداف الاحتلال لكل من يحاول إنقاذ الأرواح، استشهد الصحفي ساهر ريان أثناء محاولته إسعاف جيرانه بعد قصف منزلهم، ليعود الاحتلال ويقصف المكان مجددًا، فيرتقي شهيدًا بينما كان يحاول إنقاذ الآخرين.

- الصحفيات الفلسطينيات بين الواجب والخطر

وسط هذا المشهد القاتم، لم تتراجع الصحفيات الفلسطينيات عن أداء واجبهن، رغم أنهن يحملن تحديات مضاعفة.

تصف صفاء الهبيل، مراسلة تلفزيون فلسطين، شعورها أثناء التغطية، "نحن لا ننقل الحرب فقط، بل نعيشها بكل تفاصيلها. كل شهادة أو قصة أو صورة، أشعر أنها جزء من وجعي الشخصي. لكننا لا نستطيع التوقف".

أما الصحفية بيداء أبو معمر، فقد خاضت تجربة استثنائية، إذ وضعت مولودتها وسط القصف والنزوح.

وقالت عن تجربتها: "أصعب الأوقات كانت عندما أتاني المخاض في الخيمة، في ساعات متأخرة من الليل، وسط أجواء القصف المرعبة. ذهبت إلى المستشفى لأضع مولودتي، لكن التحدي الحقيقي بدأ بعد ذلك، لا توجد رعاية صحية مناسبة، ولا طعام مغذٍ يساعدني على استعادة قوتي وإرضاع طفلتي".

ورغم ذلك، لم تتوقف عن العمل طويلاً، فبعد أيام قليلة فقط، وأضافت: "عدت إلى الميدان لأمارس عملي كصحفية، وأوصل رسالة شعبي عبر تلفزيون فلسطين، ليعرف العالم حجم الظلم الذي نتعرض له. هذه طفلتي التي أرى فيها كل الأمل، وأتمنى أن تنتهي هذه الحرب من أجلها ومن أجل كل الأطفال".

- الصحافة ليست مجرد مهنة حتى في ظل فقدان المعدات والاتصالات

لا يزال الصحفيون الفلسطينيون يعملون بوسائل بدائية لإيصال الصورة الحقيقية للعالم.

ويروي مراسل جريدة الحياة الجديدة، هاني أبو رزق، التحديات التي يواجهها يوميًا، قائلاً: "إرسال تقرير واحد قد يستغرق ساعات من البحث عن شبكة إنترنت تعمل، بعد أن فقدنا مكاتبنا ومعداتنا بسبب القصف. الاحتلال يريد أن يطمس الحقيقة، لكنه لا يدرك أننا مستمرون رغم كل شيء. الصحافة بالنسبة لنا ليست مجرد مهنة، بل مسؤولية وطنية".

- نقابة الصحفيين: توثيق الجرائم وإيصال الصوت الفلسطيني للعالم

وأكد نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين تحسين الأسطل، أن النقابة تعمل منذ بداية العدوان على تقديم الدعم للصحفيين، رغم استهدافهم الممنهج.

ويقول: "استشهد أكثر من 200 صحفي خلال العدوان، وأُصيب العشرات، ومع ذلك لم يتوقف الإعلام الفلسطيني عن أداء واجبه. أنشأنا ثلاثة مراكز للتضامن الإعلامي في خان يونس، والوسطى، وغزة، لتوفير الحد الأدنى من بيئة العمل للصحفيين الذين فقدوا مكاتبهم".

كما أشار إلى الجهود القانونية لتوثيق جرائم الاحتلال بحق الصحفيين "نحن نعمل مع الاتحاد الدولي للصحفيين ونقابات الصحفيين العربية والدولية، ونسعى إلى تقديم الملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه".

لم يكن الصحفيون الفلسطينيون مجرد شهود على هذه الحرب، بل كانوا ضحايا لها أيضًا. ورغم القصف، ورغم ارتقاء الشهداء من بينهم، يواصل الإعلام الفلسطيني، والإعلام الرسمي خاصة نقل الحقيقة، متحديًا كل محاولات الاحتلال لإسكات الصوت الفلسطيني.