بقلم: حسين نظير السنوار

أجبرت حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من أربعة عشر شهرًا، المواطنين على الخروج عن نواميس الطبيعة وتناول أغذية واستخدام طحين فاسد منتهي الصلاحية من أجل البقاء على قيد الحياة في ظل المجاعة التي تضرب القطاع من كل جانب.

ويرى الواحد منهم السوس والديدان وحتى روث وفضلات الفئران داخل الطحين، ويعرف أنه فاسد وغير صالح للأكل ولا يصلح أيضًا للحيوانات، ويقوم باستخدامه وإطعامه لأولاده، وهو يعرف تبعاته وضرره على صحتهم، كل ذلك من أجل التغلب على المجاعة ومن أجل البقاء.

يقول المواطن سليمان عابد: "أجبرتنا الحرب وقلة الطحين الصحي وافتقار الأسواق للخبر الطازج والنظيف على استخدام الطحين الفاسد، ونحن نعرف ضرره على صحتنا وحياتنا ولكن كل ذلك هربًا من حرب المجاعة التي أصابت بطوننا وجعلتنا غير قادرين على ممارسة حياتنا الطبيعية كالمعتاد ولقلة الزاد".

ويشير إلى أنه في كثير من الأحيان يتعرض للمغص والإسهال وانتفاخ البطن لتناوله الطحين الفاسد، متمنيًا من الجهات الدولية والأممية مثل وكالة "الأونروا" وغيرها بالضغط على إسرائيل لإدخال المزيد من الطحين الطازج والجديد وهو أدنى متطلبات الحياة الآدمية.

ويقول أما المواطن أسعد أبو عبيد: "لقد أكلنا الخبز الفاسد واليابس المتعفن الذي سبب لنا أمراض انتفاخ القولون العصبي وعسر الهضم لوجود الفطريات والبكتيريا فيه ولقلة الطحين الطازج الذي تمنع إسرائيل دخوله لقطاع غزة منذ أشهر عديدة".

ويشير إلى أن "طعم الخبز الفاسد يقشعر منه البدن ويبقى عالقًا في الحلق، الأمر الذي يؤدي لمزيد من تعكير مزاج الإنسان ويؤثر ذلك على سلوكه العام من حركة وتعامل مع الآخرين والإحساس بالكسل وثقل في الحركة".

ويوضح أنه في حال توفر الطحين النظيف، فيكون بسعر مرتفع يصل سعر الكيلو غرام الواحد من 30- 35 شيقلًا وسعر الشوال الـ25 كيلوغرامًا كاملاً من 800-1000 شيقل حسب نظافته وجودته، وحال توفره يكون بعيد عن الأسواق، ومن الممكن أن يودي بحياة الشخص الذي يذهب لجلبه من المناطق الشرقية لرفح جنوب القطاع حيث يتوفر هناك، كما حدث في غير مرة من خلال قصف قوات الاحتلال المواطنين الذين يبحثون عن الطحين.

أما حظ المواطن محمد الدالي ليس بأفضل من سابقيه، لكنه تحايل على فساد الطحين وطعمه غير المقبول باستخدام سكر الفانيلا وخل الطعام لتغيير طعمه ورائحته ليستطيع تناوله، إلا أنه رغم ذلك يبقى أثر طعمه السيىء موجودًا ولكن بأقل حدة.

ويضيف: "اضطررت بعد انقطاع سكر الفانيلا الذي يستخدمه المواطنون بدل السكر الأبيض لتحلية الشاي والخل من السوق لابتكار طحين مختلف عن الطحين المعروف من خلال طحن المعكرونة تارة، وطحن الحبوب والأرز تارة أخرى، بدلاً من تناول الطحين الفاسد، ورغم ارتفاع أسعارها أيضًا إلا أنها تبقى أفضل من طعم الطحين الفاسد".

ويشير إلى أن كل المواطنين في القطاع المكلوم اضطروا لتناول الطحين الفاسد وهم يعرفون أضراره "ولكن ما باليد حيلة ولا بد من تناوله من أجل العيش والبقاء".

يقول خبير التغذية الدكتور حازم برغوث: إن "أكل الطحين المسوس أو الفاسد يؤدي إلى عدة أضرار صحية على الجسم، خاصة إذا كان الشخص يتعرض له لفترة طويلة في ظروف الحروب أو الحصار حيث يصعب الحصول على المواد الغذائية الآمنة".

ويوضح برغوث، أنه يمكن أن تتفاوت الأضرار الصحية بناءً على مستوى التلوث وحالة الطحين، ولكن بشكل عام، يمكن أن تشمل آثار الضرر على التسمم الغذائي، حيث إن الطحين المسوس يحتوي على ميكروبات وفطريات ضارة مثل العفن أو السموم الفطرية (أفلاتوكسين)، وإن تناول الطحين الذي يحتوي على هذه الفطريات يسبب التسمم الغذائي الذي يؤدي إلى أعراض مثل: غثيان وقيء وإسهال، وألم في البطن، وارتفاع في درجة الحرارة.

ويضيف: إن تناول الطحين الفاسد يؤدي للتسمم بالأفلاتوكسين، وهو نوع من السموم التي تنتجها بعض أنواع الفطريات التي تنمو في الحبوب والطحين المسوس، وهذه السموم تسبب السرطان في حالة التعرض المستمر لها، كما يمكن أن تؤثر أيضًا على الكبد وتسبب تسممًا مزمنًا إذا تم استهلاك الطحين الملوث لفترة طويلة.

ويلفت إلى أن تناول الطحين الفاسد يسبب مشاكل هضمية لاحتوائه على مواد غير قابلة للهضم أو جزيئات سامة، وقد تشمل هذه المشاكل: صعوبة في الهضم، وانتفاخ البطن، واضطرابات في الجهاز الهضمي مثل الإمساك أو الإسهال.

ويبين برغوث، أن الطحين المسوس يفقد جزءًا كبيرًا من قيمته الغذائية، ما يعني أن الأطعمة المخبوزة من هذا الطحين ستكون أقل فائدة غذائيًا، وكذلك يمكن أن تؤدي قلة الفيتامينات والمعادن في الطحين المسوس إلى نقص غذائي على المدى الطويل.

ويضيف: "في بعض الحالات يؤدي التعرض للفطريات والعفن الموجود في الطحين المسوس إلى حساسية أو تهيج في الجهاز التنفسي أو الجلد، وتكون هذه الأعراض أكثر وضوحًا إذا كان الشخص يعاني من حساسية تجاه الفطريات أو الربو".

ويتابع برغوث: أن استهلاك كميات كبيرة من الطحين الفاسد على المدى الطويل يؤثر سلبًا على الجهاز المناعي، ما يجعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.

ويردف قائلاً: في حالة الحروب والحصار تكون المواد الغذائية محدودة، ومن الأفضل محاولة استخدام الطحين قبل أن يتحول إلى فاسد أو متعفن، وإذا كان الطحين يظهر عليه علامات التعفن أو يحتوي على عفن مرئي أو رائحة غير طبيعية يجب تجنبه، ولا بد من تخزين الطحين في أماكن جافة وباردة لحمايته من الرطوبة والفطريات.

ويختم برغوث حديثه أن أكل الطحين المسوس يتسبب في أضرار صحية خطيرة مثل التسمم الغذائي، والتسمم بالأفلاتوكسين، ومشاكل هضمية، ونقص غذائي، وأضرار للجهاز المناعي لذا من الأفضل تجنب تناول الطحين الفاسد والتأكد من جودته قبل استخدامه.

يُذكر أن المواطنين في قطاع غزة أجبروا على تناول الطحين الفاسد والمواد الغذائية المنتهية الصلاحية لشحها في الأسواق ولممارسة الاحتلال الإسرائيلي حرب التجويع بجانب العدوان العسكري ضدهم.

ويحظر القانون الدولي الإنساني تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. كما منعت "الأمم المتحدة" استخدام التجويع كسلاح في النزاعات، بعد قرار من مجلس الأمن صادر عام 2018، وتعتبر ذلك "جريمة حرب".

فيما تنص المادة الثامنة من نظام المحكمة الجنائية الدولية على أن "تجويع المدنيين عمدًا بحرمانهم من المواد الضرورية التي لا غنى عنها لبقائهم بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الإغاثية الإنسانية" يعد جريمة حرب.

ويعد ذلك نوعًا آخر من أنواع العقاب الجماعي، وهو مرفوض وفقا للقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف خاصة المواد "33" و"55" و"59"، وتُوجب المادة 27 على قوات الاحتلال بألا تجعل من المواد الغذائية والمياه والمواد الطبية بأي حال من الأحوال نوعًا من العقاب الجماعي ضد المدنيين بالمناطق المحتلة.