في عام 1948 تبنت الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي توافق صدوره بعد شهور معدودة من نكبة الشعب الفلسطيني في ذات العام، وقبل صدور قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين رقم 194 الصادر في 11 كانون الأول/ديسمبر بثلاثة أيام من إقرار الإعلان، الذي بشر البشرية عمومًا والفلسطينيين خصوصًا بإمكانية انصافهم، ومنحهم بعض حقوقهم التاريخية باستقلال دولتهم وفقًا لقرار التقسيم الدولي 181 الصادر في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، وتوفير الشروط الضرورية لعودتهم لديارهم وفقًا للقرار آنف الذكر، والذي تعهد وزير خارجية إسرائيل الأول موشي شاريت بتنفيذ القرارين المذكورين أعلاه في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1949 مقابل الاعتراف الأممي بدولته اللقيطة إسرائيل، ورغم مرور الأعوام الـ76 الماضية لم ينفذ أي من القرارين، ليس هذا فحسب، بل أن دولة إسرائيل الاستعمارية ومن خلفها الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية استباحت الأرض الفلسطينية، وضمت مساحات واسعة من أراضي الدولة الفلسطينية العربية بلغت 78% من أراضي فلسطين التاريخية حتى عام 1949.
ولم تكتفِ بذلك، إنما واصلت حروب التوسع والعدوان حتى احتلت فلسطين التاريخية في أعقاب هزيمة 4 حزيران/يونيو 1967 بالإضافة لاحتلال سيناء المصرية والجولان السورية وبعض أراضي لبنان، وصولاً للإبادة الجماعية المتواصلة منذ 432 يومًا حتى الآن، مع رفضها من حيث المبدأ استقلال الدولة الفلسطينية على مساحة الـ22% من أراضي فلسطين الكاملة، رغم تنازل القيادة الفلسطينية عن نحو 22% من الأراضي التي أقرها قرار التقسيم الدولي181 لقاء بناء جسور السلام والتعايش وانتهاء الحروب والإرهاب والفوضى في الإقليم.
واليوم والعالم يحيي الذكرى الـ76 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ما زال الشعب الفلسطيني وقيادة منظمة التحرير ينتظرون من العالم الوقوف الفعلي إلى جانب الحقوق الفلسطينية السياسية والإنسانية لتحقيق بعض العدالة التي يستحقها الشعب المنكوب بالنازية الإسرائيلية المدعومة من الإدارات الأميركية المتعاقبة ومن يدور في فلكها. لكن شيئًا من ذلك لم يحدث حتى الآن، ولم تتوقف دورة الإبادة والكارثة الجهنمية الإسرائيلية الأميركية ضد الشعب الفلسطيني، الذي ما زال ينزف كل ثانية من أيام الإبادة شهداء وجرحى وتدمير هائل وتطهير عرقي وعنصرية إسرائيلية منفلتة من كل عقال قانوني وإنساني وعلى مدار الـ14 شهرًا الماضية.
نعم أصدرت الهيئات الأممية العديد من القرارات الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، كما أصدرت محكمة العدل الدولية فتوى قضائية، تبنتها الجمعية العامة في أيلول/سبتمبر الماضي بأغلبية 124 صوتًا، وأصدرت محكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، ووزير حربه السابق يوآف غالانت، إلا أن تلك القرارات لم ترَ النور حتى الآن، وحدث تحول هام في الرأي العام العالمي عمومًا وفي الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا خاصة، إلا أن واشنطن لم تصغِ لذلك التحول، وما زالت تقف خلف دولة إسرائيل فوق النازية في تغول مفضوح ووحشي على القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، ليس هذا فحسب، بل إنها حرضت وتحرض من خلال مؤسساتها التنفيذية والتشريعية على هيئة الأمم المتحدة ومحكمتي العدل والجنائية الدولية، وتطارد في مكارثية منفلتة كل الأصوات الداعمة والمطالبة بإحقاق الحقوق الإنسانية والسياسية للشعب الفلسطيني داخل الولايات المتحدة.
ومع هذا لم يفقد الشعب الفلسطيني الأمل في تحمل العالم وهيئاته ومؤسساته الأممية مسؤولياتها في لجم الإبادة الصهيو أميركية، ويراهن على صحوة أكثر جدية، وارتقاءً إلى المستوى الكفيل بحماية أرواح البشر من الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء الفلسطينيين عمومًا في قطاع غزة وعموم الوطن الفلسطيني، عملاً بروح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجسيدًا للفتوى القضائية لمحكمة العدل الدولية الصادرة في تموز/يوليو الماضي، لا سيما وأن اللوائح وآليات عمل الجمعية العامة للأمم المتحدة تسمح للدول الأعضاء بعزل الولايات المتحدة وإسرائيل غير الشرعية، ونبذ هاتين الدولتين. لأنها تهدد مستقبل السلم والأمن العالميين في الكرة الأرضية وخاصة في إقليم الشرق الأوسط.
آن الأوان لوقف الإبادة الجماعية، وإدخال المساعدات الإنسانية كافة بسرعة ومن مختلف المعابر وبكميات كبيرة لأبناء الشعب الفلسطيني، الذين يواجهون أشكالاً متعددة من حرب الأرض المحروقة بأسلحة الدمار الشامل وحرب التجويع والأمراض والأوبئة والعطش والتهجير القسري، وتأمين الحماية الدولية للشعب لدرء أخطار الإبادة والموت الإسرائيلي المعلن ضدهم، والذهاب للسلام بعقد المؤتمر الدولي للسلام لفرض استقلال الدولة الفلسطينية على أراضيها المحتلة في حزيران/يونيو 1967، وإعادة الاعتبار للسلام والتعايش في المنطقة عمومًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها