آن الأوان ليتوقف الشعب الفلسطيني عند تجربة حماس منذ تأسيسها عام 1988، وأن ننظر إلى تاريخ من الرهانات الخاطئة والاندماج في أجندات خارجية مقابل منافع تنظيمية فئوية، وعلى حساب مصالح الشعب الفلسطيني.

من غير المقبول أن نفتح صفحة جديدة في العلاقات الوطنية قبل أن نجري عملية محاسبة كبرى ومساءلة لما تبقى من قيادة حماس قبل التزامها بالعمل السياسي تحت سقف منظمة التحرير، منطقية هذا الطرح تنبع من الثمن الكبير الذي دفعه الشعب الفلسطيني من تجربة حماس منذ تأسيسها، فالحركة كانت متقاطعة مع اليمين المتطرف الإسرائيلي في أغلب المراحل، كانت هي وهذا اليمين مع إفشال عملية السلام، وحماس تناغمت مع أهداف هذا اليمين في فصل قطاع غزة عن الضفة، وعملت مقاولاً للدول الإقليمية الطامعة بدور ومشروع إقليمي.

وحماس استنزفت الحالة الوطنية وأشغلتها بانقسام وتمرد في قطاع غزة لمدة 17 عامًا، وشقت الساحة الفلسطينية لأكثر من 36 عامًا، والأهم أن نسائل أنفسنا: ماذا كانت نتيجة أعمال حماس في نهاية المطاف؟ ما الذي جناه الشعب الفلسطيني من كل أفعال حماس؟  أفعال حماس لم يكن في اعتبارها مصلحة القضية الفلسطينية ولا الشعب الفلسطيني، إنما كانت تقوم بكل شيء من أجل مصالح خارجية ومصالحها هي، قد يكون من الضروري التذكير بهذه الأفعال منذ تأسيسها.

- أولاً: خلال الانتفاضة الشعبية السلمية الأولى، والتي تأسست حماس في بداياتها، أصر هذا التنظيم على أن يقوم بفعالياته بشكل منفرد، ورفض الانضمام للقيادة الوطنية الموحدة، وهي المؤسسة الوطنية التي كانت تنظم الفعاليات النضالية ضد جيش الاحتلال، وتضع برنامج العمل الجماهيري، ليكون هذا العمل موحدًا وفاعلاً، حماس لم تنضم لهذه القيادة بل قامت بتشتيت وتمزيق الأداء عندما كانت تصر على أن يكون لها برنامجها الخاص للفعاليات، فأصبح هناك إضراب تعلنه القيادة الموحدة وإضراب تعلنه حماس في أيام أخرى ما استنزف قدرة الناس على الصمود.

- ثانيًا: بعد أوسلو، كان من حق حماس أن تعارض أو توافق، ولكن ما الذي فعلته حماس بدعم من الخارج وخدمة لأجندات خارحية؟ كانت توقت عمليتها الانتحارية مع كل مرحلة انسحاب جيش الاحتلال المنصوص عليها بالاتفاق، ما كان يقدم لإسرائيل المبرر كي تؤجل أو تلغي مرحلة الانسحاب تلك، وما قدم لليمين المتطرف في إسرائيل المبرر ضد أوسلو وأن السلام لا يجلب الأمن لإسرائيل وقدم له مبررًا للانقضاض على الاتفاق ومن ثم إنهائه، وهو هدف كان يرغب في تحقيقه أكثر من طرف إقليمي أيضًا.

- ثالثًا: خلال الانتفاضة الثانية، مرة أخرى لم يكن توقيت عمليات حماس الفدائية يراعي مصالح الشعب الفلسطيني، وخصوصًا عندما كان شارون ينتظر مبررًا لاجتياح الضفة نهاية آذار/مارس عام 2002، ولم يكن هذا الأمر بخافٍ على أحد، وقدمت له حماس هذا المبرر في عملية نتانيا، وهي ذات العملية التي تزامنت مع طرح قمة بيروت لمبادرة السلام العربية في محاولة لإنقاذ الوضع الفلسطيني من الذهاب إلى دمار أكثر.

- رابعًا: في لحظة اعتقدت فيها حماس أن فتح والسلطة الوطنية في حالة وهن وضعف، بعد أن دمر شارون مؤسسات السلطة، في ظل كل ذلك قررت حماس أن تشارك في الانتخابات المحلية والتشريعية، وبالفعل حصلت على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي، وكلف الرئيس محمود عباس، إسماعيل هنية بتشكيل الحكومة، وشكلتها حماس منفردة.

لقد دعا المجتمع الدولي حماس إلى إعلان موافقتها على الاتفاقيات التي وقعت عليها منظمة التحرير الفلسطينية ونبذ العنف بهدف فك الحصار المالي والسياسي على الشعب الفلسطيني، لكنها رفضت، وواصلت القول إنها حركة مقاومة، بالرغم من أنها أصبحت في الحكم ما أربك المشهد الفلسطيني، وقاد إلى تشديد الحصار وأنهك الاقتصاد المتدهور أصلاً.

- خامسًا: أصرت حماس على السيطرة على القطاع وكانت كلما تشعر أنها تريد تعزيز وضعها الجماهيري تدخل في اشتباك مع إسرائيل، ما قاد إلى تدمير القطاع مرارًا وكان أشدها وأخطرها بعد "الطوفان"، فقد أصبح القطاع منطقة غير قابلة للحياة.

ولعل أهم تقاطع بين حماس واليمين الإسرائيلي أنها هي وهم كانا يدمران كل فرصة لإقامة دولة فلسطينية، والسؤال الأهم: هل حققت حماس أي هدف وطني من كل معاركها؟ وهل كان حال الشعب الفلسطيني أفضل بدون مغامرات حماس؟.