هناك أغلبية ساحقة في الإقليم والعالم دعمت التغيير في سوريا، وهذه الأغلبية تريد أن ترى سوريا دولة حديثة ديمقراطية، وليست نسخة من أي حقبة تاريخية، لأن المستقبل هو المهم، بمعنى صياغة سوريا المستقبل وليس أي شيء من الماضي سوى الهوية الوطنية التي تجمع كل السوريين.
وتعلم هذه الغالبية هوية الحكم الجديد لسوريا، وكيف تدرج إيديولوجيًا وعقائديًا، مرة أخرى لا ننظر للحكم الجديد عبر هذا التدرج ومن التشدد إلى الاعتدال، لأنه من لحظة الانتصار على نظام الأسد، هم الحكام الجدد لسوريا وليس زعماء لجماعة أو معارضة، هم من يمثلون الشعب السوري من الآن وحتى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.
والمسألة في سوريا ليست حماية الأقليات وحماية حقوقهم، فالأقليات جزء أصيل من الشعب وهم مواطنون سوريون أصيلون، لذلك من المهم التأسيس لدولة المواطنة، الجميع فيها متساوون أمام القانون، سوريا ليست الشعب فقط، إنما أيضًا الموقع الجيوسياسي، والعلاقات التاريخية، والمصالح الإقليمية والدولية، والخيارات المستندة للحقائق المشار إليها، وسوريا اليوم سيدة نفسها في اتخاذ قراراتها وخياراتها، وهي دولة مهمة في المنطقة لا يمكن أن يرتهن قرارها لأحد.
وخلال سنواته في المعارضة، لا بد أن أحمد الشرع، وهو ابن جنوب سوريا، وبالتحديد جنوب هضبة الجولان، وعاش وحكم في شمالها، لا بد أنه أصبح أكثر فهمًا لوطنه واكتشف أن التطرف لا يمكن أن يحكم الشعب السوري، كما أنه لن يترك القوى الخارجية تتحكم بسوريا، والأهم من كل ذلك ألا يتم استبدال نظام شمولي بنظام شمولي آخر.
الشرعية تؤخذ من الشعب من عقد اجتماعي، أي شيء سيقود إلى الحكم المطلق، ولا بد أن القيادة السورية الجديدة تعلم أكثر من أي جهة أخرى كيف هي نهايات مثل هذا الحكم؟.
أما بما يتعلق بفلسطين، والقضية الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني لا يريد أوصياء جدد عليه، طالما كان نظام الأسد يستخدم القضية الفلسطينية كورقة، ونزف دم فلسطيني كثير، لعقود طويلة في سياق سياساته، لكنه لم يحرر شبرًا من أرضه المحتلة، وبالطبع ولا من فلسطين. الشعب الفلسطيني يريد دعم أشقائه السوريين ولكن دون تدخل في شؤونه الداخلية، ولا أن يقرر أحد بشأن مصيره بالنيابة عنه، في فلسطين يعتبرون سوريا الامتداد الطبيعي لسوريا، والأخيرة امتداد لفلسطين، وأن الجميع، سوريا وفلسطين ولبنان والأردن كان اسمها بلاد الشام، أو هكذا سماها العرب، لأن التسمية الغربية التاريخية لها هي سوريا.
في نظر الفلسطينيين، أن تكون سوريا آمنة ومستقرة ومزدهرة ومتطورة هي سند حقيقي لهم، وليس بالشعارات والمزايدات، أن تكون سوريا دولة ديمقراطية، وفيها حكم رشيد هي قوة إضافية لفلسطين. ولعل المعيار لكل ما ذكر هو أن يكون في سوريا نظام حكم يستمد شرعيته من الشعب السوري وليس من أي جهة أخرى، وأعتقد أنه من نجح في إزاحة نظام الأسد يفترض أنه يعي هذه الحقيقة.
إن السؤال المتعلق بالدروس والعبر هو: لماذا سقط نظام الأسد بهذا الشكل المفجع؟.
لقد سقط لأنه نظام العائلة حكم بالحديد والنار، نظام شمولي نخره الفساد، نظام حتى أنه لا يمكن أن نطلق عليه نظام الحزب الواحد بل نظام العصابة، استخدم القومية العربية ليمزق العرب، استخدم القضية الفلسطينية أبشع استخدام، استخدم الوطنية السورية ليعزز نظام الطائفي، واستخدم الطائفة لعزز حكم العائلة، ما يحتاجه أي نظام حكم جديد في سوريا هو أن لا يكرر كل ما ذكر لينجح التغيير في سوريا.
الحقائق الراسخة في المعادلة، أن سوريا بلد تعددي، لا يمكن أن يحكم مجموعة إيديولوجية تنقل مصالح فئة بعينها، لذلك فإن الحل الديمقراطي هو السبيل الأفضل، ولكن ليس على الطريقة التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية في العراق، ولا كما هو الأمر عليه في لبنان، أي نظام المحاصصة الطائفية، ما تحتاجه سوريا نظام ديمقراطي مدني دولة مدنية حديثة فيها الجميع متساوون أمام القانون. هذا كله يبدأ من صياغة دستور يراعي طبيعة سوريا وتعددها، يراعي موقعها الجيوسياسي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها