تتعالى النداءات وتكثر الأصوات التي تطالب الرئيس الأميركي القادم ترامب بفعل ما لم يفعله في ولايته الأولى بشأن فلسطين والشرق الأوسط.

انعقدت آمال قادة المسلمين في الولايات المتحدة، وعلى رأسها ميتشيغان، حيث الوجود العربي والإسلامي، كما انعقدت الآمال هنا في الشرق على أن ترامب سينهي الحرب على قطاع غزة وسيتخذ سياسة مغايرة للمنتهية ولايته بايدن.

وسرعان ما انقلبت هذه الآمال إلى خيبة كبيرة، حتى قبل أن يتولى منصبه، بعد أن اختار أصحابه (المعنى الحرفي للكلمة) لشغل مناصب في إدارته، وبعضهم من غلاة المتطرفين الذين يتبنون مواقف أشد تطرفاً من مواقف إسرائيليين كثر.

مثال، إليس ستيفانيك مرشحة ترامب لمنصب سفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة، عبرت عن دعمها اللا محدود لإسرائيل "وبلا شروط لتحقيق النصر الكامل في مواجهة الشر". طبعاً، قالت هذا الكلام في ظل حرب الإبادة على غزة وتحديداً في مايو الماضي عندما بدأت قوات الاحتلال التوغل في رفح.

تنتمي ستيفانيك لدولة تقول إنها تؤيد حرية الرأي والتعبير، لكنها لاحقت رؤساء جامعات أميركية لمجرد سماحهم بتنظيم تظاهرات في حرم هذه الجامعات دعماً لغزة، وقالت: إن هذه الاحتجاجات معادية للسامية، غير أن الحقيقة هي أن الكثير من الطلبة اليهود شاركوا في هذه الاحتجاجات.

مثال آخر، قال مايك هاكابي، المرشح لشغل منصب السفير الأميركي لدى دولة الاحتلال، وحاكم ولاية أركنساس السابق: إنه "لا يؤمن بمصطلح الضفة الغربية، إذ لا يوجد شيء من هذا القبيل". وإنه يصفها بـ"يهودا والسامرة" (الاسم التوراتي لهذه المنطقة)، لاحظوا غياب اسم فلسطين. كما أنه يصف الفلسطينيين بأنهم "محتلين لأرض يملكها أشخاص لديهم صك شرعي منذ 3500 عام".

إذن، هؤلاء هم أصحاب ترامب الذين سيرافقونه في صناعة السياسة الخارجية خلال السنوات المقبلة، فماذا عن أسلافه؟.

في أعقاب حرب 1967، فوجئ عدد من السفراء العرب لدى واشنطن بأن الرئيس الأميركي حينها، ليندون جونسون، قرر أن يقضي بعض الوقت في مقر وزارة الخارجية، وسروا بالأمر فذلك اللقاء يمثل فرصة للتعبير عن رأيهم، لكن ما حدث أن جونسون دخل وهو يمسك بوثائق من جلد ويقوده كلبه بجيل.

كانت بداية حديث جونسون موجهة إلى الكلب، وقال له: "اسمع يا بيجل حكاية رجل شرير تعارك مع جاره الطيب، متصوراً أن هذا الجار الطيب لا يستطيع الرد عليه، لكن الجار الطيب استجمع قواه ولكم جاره الشرير لكمة قوية طرحته على الأرض. له حق يا بيجل، أليس كذلك؟ هل يحق إذن لأصحاب هذا الرجل الشرير أن يشتكوا للآخرين؟ وكاد أن يغمى حينها على السفراء العرب بل والأميركيين الحاضرين، ثم قام جونسون وكلبه". ورد هذا في كتاب الصحفي المصري الكبير محمد حسنين هيكل "الانفجار" عن حرب عام 1967.

قصة رئيس آخر، وصل الرئيس ريتشاد نيكسون إلى الحكم وهو على اطلاع واسع على مشاكل الشرق الأوسط، وبخلاف من سبقوه لم يكن يدين لأنصار إسرائيل في الولايات المتحدة بشيء، فهو لم يحظ إلا بأقل القليل من أصوات اليهود في انتخابات عام 1968.

وكان يدرك أن اليهود بصفة عامة لم يكونوا يثقوا به، وكان هؤلاء سواء في إسرائيل أو في الولايات المتحدة يعتقدون أنه لا يضمر لهم وداً، وحتى أنه "معاد للسامية"، وكان تواقاً لإظهار تحرره من ضغوطهم.

حسنًا، ماذا حصل؟ في البداية أظهر عزماً على إظهار موقف أكثر توازناً في الشرق الأوسط، غير أنه سرعان ما أمسى أكثر الرؤساء الأميركيين مناصرة لإسرائيل، إذ رفع المساعدات العسكرية والاقتصادية لها إلى مستوى لم يتصوره أحد، واصطفت بلاده خلف إسرائيل دبلوماسياً، خاصة من ناحية استخدام الفيتو لمصلحة دولة الاحتلال إلى درجة الإسفاف لكثر استخدامه، بحسب كتاب "فلسطين والسياسة الأميركية.. من ويلسون إلى كلينتون"، الذي شارك في كتابته عدد من المؤلفين.

قصة رئيس ثالث، أعرب الرئيس الأميركي، جورج بوش الابن، في أكتوبر 2001، في خضم استعداده لإطلاق ما يسمى "بالحرب على الإرهاب"، بصورة واضحة عن تأييده إقامة دولة فلسطينية نتيجة مفاوضات مع إسرائيل، وكان أول رئيس أميركي يؤيد وجود دولة فلسطينية.

لكن ذلك كان بقصد الاستغلال لا غير، إذ جاء في سياق استراتيجية الولايات المتحدة لكسب الشارع العربي والإسلامي أو على الأقل امتصاص موجة العداء العربية في حال الهجوم على أفغانستان، وأكثر مسؤولو بوش حينها من التصريحات التي تتحدث عن تأييد حقوق الفلسطينيين. ورد هذا في كتاب "الإعلام والسياسة الخارجية" لهارون حسن.

إن هؤلاء الرؤساء جاءوا من صميم المؤسسة الحاكمة أو "الاستابلشمنت"، بخلاف ترامب، الذي جاء من حلبات المصارعة في "دبليو دبلوي إي"، حيث جلب معه أصدقاءه ووضعهم في الحكومة.

لم يكن ترامب حيال الاحتلال الإسرائيلي سوى نسخة أكثر تطرفاً عما سبقه، إذ اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها، وأوقف تمويل وكالة الغوث، وأغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن وطرد السفير.

إن البعض يعول على ترامب وعلى مستشاره للشؤون العربية مسعد بولس لعله يوقف الحرب على غزة ولعله يحقق السلام. بكل تأكيد، نحن نرغب بأن يتوقف العدوان على أهلنا في غزة الآن، الأماني شيء والواقع شيء آخر.

ربما تنتهي الحرب على غزة قبل وصول ترامب للبيت الأبيض، وربما يعود ذلك لأسباب أخرى، قد تكون منها التطورات الإقليمية، أما انتظار أن يحقق ترامب دولة فلسطينية فهذا مجرد وهم، كما ظن الظانون في أسلافه.