القيادة الفلسطينية قررت فتح صفحة جديدة مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، لأنها تنظر إلى المستقبل بمنطق حماية مكتسبات وحقوق الشعب الفلسطيني، والأهم أنها تنظر إلى إعادة بناء قطاع غزة ودمجه مجددًا بالنظام السياسي الفلسطيني المعترف به دوليًا.

والآن وبعد الاتفاق بشأن لبنان، فإن الأنظار تتجه إلى قطاع غزة وكيفية تصرف إسرائيل مع الوضع هناك، وإذا ما كانت ستنفذ خطة الجنرالات ودعوات اليمين المتطرف التي تصر على احتلال القطاع وتهجير سكانه والاستيطان فيه، أم أن منطق حل الدولتين هو الذي سترجح كفته رغم تشدد الحكومة الإسرائيلية  في رفضه.

ولعل المؤشر الأهم هو أن يصر نتنياهو على مواصلة العمل باستراتيجيته التي استخدمها لسنوات حتى السابع من أكتوبر وهي فصل قطاع غزة عن الضفة وعدم القبول بأن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية هي من يسيطر على القطاع، إلى درجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وافق على أن تحصل حماس على التمويل بهدف منع وحدة أراضي الدولة الفلسطينية. لقد مثل فصل القطاع النقطة المحورية في سياسة نتنياهو لمنع حل الدولتين، وبالتزامن أن تطلق يده في الضفة تمهيدًا لضم أجزاء منها، وخصوصًا منطقة الأغوار، ومنطقة (E - 1)، التي تفصل جنوب الضفة عن شمالها.

إن أي اتفاق يسمح لحكومة نتنياهو المتطرفة مواصلة النهج نفسه، ويضاف إليه بقاء جيش الاحتلال في القطاع، سيعتبر مؤشرًا سلبيًا لما قد تكون عليه سياسة إدارة الرئيس ترامب، أما إذا سارت الأمور كم هو حال الاتفاق بشأن لبنان، أي أن ينسحب جيش الاحتلال من غزة خلال مدة لا تتعدى الأشهر، ويمكن سحب تجربة لجنة المراقبة في لبنان على القطاع وحتى في الضفة، ولكن أن ينص أي اتفاق كما نصت اتفاقيات أوسلو على الأقل بأن الضفة وقطاع غزة وحدة جغرافية واحدة يمنع المس بوحدتها، أو تغيير الواقع فيها من جانب واحد.

هناك فرصة أمام الإدارة الأميركية الحالية، والإدارة القادمة، بأن ترسي سلامًا حقيقيًا في الشرق الأوسط، وألا يمر أي تطبيع للعلاقات في المنطقة بدون وجود الدولة الفلسطينية، لأن أي ترتيب آخر لن يجلب الأمن والاستقرار في المنطقة.

إن أي حديث عن قطع الطريق على المتطرفين في الشرق الأوسط يجب أن يشمل المتطرفين في إسرائيل وليس فقط في الجانب الآخر، فالمتطرفون الإسرائيليون وما يعلنونه من مخططات هدفها تصفية القضية الفلسطينية هم أكثر خطرًا من أي تطرف آخر، لأنه يمنح المبرر لاستمرار في دائرة العنف.

ما سمعه العالم من الرئيس الأميركي المنتخب حول إنهاء الحروب وتخفيض التصعيد هو أمر إيجابي، ولكن إنهاء الحروب بالضرورة أن يراعي مصالح وحقوق جميع الأطراف، كما أن المكالمة التلفونية بين الرئيس محمود عباس وترامب تضمنت مؤشرات إيجابية خصوصًا عندما طلب الرئيس الأميركي المنتخب من الرئيس الفلسطيني تقديم فريقه الذي سيتعاون مع الإدارة الأميركية لبحث العلاقات الثنائية وسبر فرص العودة لمسار السلام.

ومع ذلك فإن جدية أي توجه للإدارة الأميركية القادمة يبدأ من الشكل الذي سيكون عليه الاتفاق بخصوص قطاع غزة والذي سيكون بالتأكيد على مراحل، ولكن أن يكون الهدف هو الوصول إلى حل الدولتين وليس تدمير فرصه.

قد يمثل الاتفاق في لبنان مجال اختبار لاتفاق بخصوص قطاع غزة، ولكن لا يجب الانتظار طويلاً، فقد تبدأ الأمور بهدنة خلالها يتم وضع الخطوات وصولاً للوضع الدائم ويتم بدء العمل على إعادة بناء القطاع وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني هناك.

ويبقى الأمل في أن يفتح الاتفاق بشأن لبنان، الطريق أمام وقف الحرب في قطاع غزة بأسرع وقت ممكن.