منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، يواجه الشعب الفلسطيني فصلاً جديداً من العدوان الإسرائيلي الوحشي، الذي لا يميّز بين طفل وامرأة، ولا يستثني منزلاً أو مستشفى من دائرة استهدافه. وفي خضم هذا المشهد المأساوي، تبرز المرأة الفلسطينية كرمز للصمود والتحدي، متحملةً عبء النضال اليومي ضد آلة الحرب الإسرائيلية التي تسعى لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وطمس هويتهم. ولا يقتصر هذا العدوان، الذي حصد أرواح آلاف النساء الفلسطينيات على استهداف الأرواح فحسب، بل يتعدّى ذلك ليطال الهوية الوطنية والكرامة الإنسانية للشعب الفلسطيني، في تجسيد صارخ لوحشية الاحتلال وتجرده من أبسط معاني الإنسانية.
تعاني الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال من انتهاكات يومية تستهدف حقوقهن وهويتهن. ويأتي قرار الاحتلال في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 2024 بمصادرة الحجاب والجلابيب كجزء من محاولات ممنهجة لطمس الهوية الثقافية والدينية للمرأة الفلسطينية. فالحجاب بالنسبة لهن ليس مجرد غطاء للرأس، بل هو رمز للكرامة والصمود في وجه الاحتلال. ورغم هذه السياسات القمعية، تواصل الأسيرات الفلسطينيات تحدي السجّان بشجاعة وإصرار مؤكدات أن كرامتهن وهويتهن تبقى أقوى من كل محاولات الاحتلال لقمع إرادتهن.
تعيش المرأة الفلسطينية في قطاع غزة وسط حصار خانق ومأساة تتفاقم يوماً بعد يوم، حيث تواجه ويلات الدمار والقصف بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين. وبين أنقاض المنازل التي تحولت إلى ركام، وفي المستشفيات التي فقدت إحساس الأمان، وفي المدارس التي أصبحت ملاذات مؤقتة، تتحمّل المرأة الفلسطينية عبء الأسرة والمجتمع. حيث تجسّد الأم التي تحضن أبناءها مودعةً إياهم إلى الشهادة، والفتاة التي تحلم بالحرية رغم قسوة الاحتلال، والزوجة التي تقاوم الفقد والخراب بحبها للحياة، نماذج حية لصمود لا ينكسر وإرادة حياة تتحدى الموت.
المرأة الفلسطينية ليست مجرد ضحية للعدوان، بل هي أيقونة عالمية للصمود والعزيمة، إذ يحمل صوتها المفعم بالألم رسالة عميقة تدعو كل أحرار العالم إلى نصرة الحق الفلسطيني. إنها تمثل صورة شعب يواجه القهر بإرادة لا تنكسر، ويقاوم الموت بالتشبث بالحياة. أما الصمت الدولي إزاء الجرائم الإسرائيلية، فلا يقتصر على كونه تعبيراً عن العجز، بل يمتد ليصبح تواطؤاً مع الظلم، مما يعمّق معاناة الفلسطينيين ويزيد من حجم المأساة.
وعلى الرغم من كل محاولات الاحتلال لإخضاع الشعب الفلسطيني، تواصل المرأة الفلسطينية رسم ملامح جديدة للنضال والصمود. فالدمار الذي يخلّفه الاحتلال، والانتهاكات التي تتعرض لها النساء داخل السجون، لم تزِد الفلسطينيين إلا إصراراً على التمسك بحقوقهم والتشبث بعدالة قضيتهم.
إن صرخات النساء الفلسطينيات اليوم ليست مجرد أصوات تنبع من قلب الألم، بل هي نداء يحمل دعوة لكل أحرار العالم لمواجهة الظلم والانتصار للحق. وكما كانت نداءات "واعامراه" و"وامعتصماه" عبر التاريخ توقظ الضمائر وتحرّك الجيوش، فإن صرخات المرأة الفلسطينية اليوم توجّه رسالة واضحة للإنسانية للتحرك لوقف العدوان ودعم القضية الفلسطينية العادلة.
تُجسّد المرأة الفلسطينية في كل مرحلة أروع صور الصمود والإصرار، حيث تكتب بدمائها تاريخ شعب لا يعرف الانكسار. وبين أنقاض غزة وأسوار السجون، تتحول معاناتها إلى رمز حيّ للعزيمة والتحدي، وتصبح صرخاتها نداءً إنسانياً مدوياً يحثّ الضمير العالمي على الوقوف ضد الظلم.
هي رسالة للعالم بأن الحرية والكرامة لا يمكن أن تُنتزع، وأن النضال من أجل الحق هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة. وفي كل لحظة من الألم تبرهن المرأة الفلسطينية أن إرادة الحياة أقوى من الموت، وأن شعبها سيستمر في النضال حتى تتحقق حريته.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها