العلاقات بين الدول تقوم على المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمنية، وليس على العواطف، وبغض النظر عن أبعاد العلاقات، إن كانت استراتيجية أو تكتيكية، آنية أم بعيدة المدى، فإن العلاقات بينها تتجاوز الابعاد الأيديولوجية، وبقدر ما تكون هناك مصالح نفعية بين بلدين، بغض النظر عن حجم ومكانة الدول إقليميًا ودوليًا، بقدر ما يكون الناظم لها تلك المصالح، وحتى العلاقات الاستراتيجية بين الدول قد تتغير في شروط معينة وتنقلب إلى ضدها، إذا ما تعارضت المصالح في لحظة سياسية محددة، وارتباطًا بتغير الأنظمة السياسية ومصالحها وحساباتها الإقليمية والدولية، وإما العلاقات التكتيكية فإنها متحركة بطبيعة الحال، وأقل ثباتًا من العلاقات الاستراتيجية، ويمكن أن تنقلب في كل لحظة إلى عداء وفقًا للتحولات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين مطلق بلدين أو أكثر.
وعلى صعيد آخر، هناك علاقات تقوم على التبعية بين الدول الكبرى والدول الصغرى، وهذه العلاقات لا تقوم على الندية والمصالح المشتركة، وإنما تحكمها آليات وظيفية تؤديها الدول التابعة لصالح الدول الكبرى، وتبقى خاضعة لمعايير المحوطة وتنفيذ سياسات الدول المركزية. لكن هذه الروابط والنواظم مشروطة ببقاء الأنظمة التابعة الملتزمة بنواميس الاستحقاقات والضوابط المتفق عليها بين الدولتين، أو الدول ذات الصلة بهذه المنظومة أو تلك. غير أن هذه العلاقات ليست ثابتة خاصة إذا ما تغيرت الأنظمة السياسية في الدول التابعة، وانقلبت على الطابع الوظيفي، ونحت نحو الاستقلال وتعزيز سيادتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وأقامت علاقات تحالفية مع دول أخرى، للانعتاق من دائرة المحوطة.
وإذا توقفنا أمام واقع إقليم الشرق الأوسط الكبير، ودققنا النظر في طبيعة العلاقات البينية بين الدول المركزية في الإقليم نلحظ أن خارطته تتوزع بين أربع مشاريع مركزية، هي: المشروع القومي العربي، والمشروع القومي التركي، والمشروع القومي الفارسي والمشروع الإسرائيلي الصهيوني أداة الغرب الرأسمالي المركزية في الإقليم.
ومن القراءة الموضوعية لواقع العلاقات بين المشاريع المذكورة، نجد أن العلاقات البينية بينها تقوم على الصراع والتحالف استنادًا لمصالح القائمين على المشاريع الأربعة. لا سيما وأن المشاريع تتنافس على قيادة الإقليم، ولهذا بارومتر العلاقات متحرك وغير ثابت ارتباطًا بتطور الأحداث في الإقليم، وبالتحولات الداخلية والتكتيكية والاستراتيجية على المستويين الإقليمي والعالمي.
ومنذ النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، شهد المشروع القومي العربي تراجعًا وانكفاءً ملحوظًا للذات، وخاصة بعد التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، وما تلا ذلك من حربي الخليج الأولى 1980/1988 والثانية 1990 / 2003، ومع صعود التيارات الإسلاموية وخاصة جماعة الإخوان المسلمين والنظام الإيراني واتساع نفوذه في الدول العربية، التي ساهمت جميعها في تفكك المنظومة الرسمية العربية، واضمحلال دور حركة التحرر العربية. مما سمح لأصحاب المشاريع الثلاث بالتغول والاستقواء على الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وبات لقمة سائغة للنهش والتآكل من قبل المشاريع الثلاثة.
من المؤكد أن المشروع الإسرائيلي الصهيوني، ليس مشروعًا قوميًا، ولا مشروع أصيلاً فيه، إنما طارئًا. بحكم كونه أداة وظيفية وقاعدة أمامية للامبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لتحقيق مصالحها الحيوية في الشرق الأوسط الكبير، وليس في الوطن العربي فقط، ولهذا عملت وتعمل واشنطن على تسيد الدولة الإسرائيلية اللقيطة والنازية على دول الإقليم كافة. وبالتالي هو مشروع مركزي في الإقليم.
وعليه فإن علاقات المشاريع القومية الأخرى وخاصة الإيراني والتركي مع إسرائيل وسادتها في الغرب تتسم بالتحالف المعلن وغير المعلن. لأن كلاهما يشترك بقواسم مشتركة مع المشروع الطارئ وغير الأصيل في استهداف الوطن العربي لكن ليس على أرضية التبعية، وإنما على أساس الندية بحكم التنافس على تحقيق المصالح القومية، وكل منها يسعى بخطى حثيثة على تعزيز مواقعه في الإقليم بما يؤمن تبوأه مركز السيادة، ويرفض تسيد المشروع الإسرائيلي، رغم المصالح المشتركة فيما بينها. وبالتالي قراءة لوحة الصراع بين المشروعين الإيراني والتركي مع المشروع الإسرائيلي تقوم على ركيزة الصراع الدائم والتوافق النسبي وفقًا لتطور الأحداث على المستويين الإقليمي والدولي، وفي ظل غياب المشروع العربي، الذي بات مستباحًا، ولم يعد ذات تأثير في لوحة الصراع الإقليمية بالمعنى الدقيق للكلمة.
إذًا ونحن نتحدث عن علاقات التحالف الإيرانية الإسرائيلية الأميركية، لا يجوز تغييب طبيعة الصراع بينهم، أو إغماض العين عن ذلك، حتى نقرأ اللوحة الإقليمية الدولية بشكل موضوعي وعلمي بعيدًا عن الاسقاطات الرغبوية الذاتية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها