ستنطلق الحكومة التاسعة عشرة للعمل، بثلاثة وعشرين وزيرًا برئاسة الدكتور محمد مصطفى بعد أداء اليمين القانونية أمام سيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن، الذي أصدر قرارًا بقانون يمنحها الثقة، وأصدر مرسومًا رئاسيًا باعتماد تشكيلتها، وقد يظن البعض أن العربي والدولي سيمهد طريقها، ويجعل مهمتها أيسر، لكن الأمر محفوف بالمخاطر، رغم التفاؤل، فالأولويات كما جاءت في كتاب التكليف، ورؤية الدكتور محمد مصطفى، وبرنامج الحكومة ثقيلة جدًا، ودون نجاح تراكمي يلمسه المواطنون مباشرة، وكذلك إصلاح جدي يقيمه المراقبون بالإيجابية، فإن الخطر سينعكس على الكيانية السياسية الفلسطينية برمتها، وليس على الحكومة وحسب، فإنجاح برنامج الحكومة مسؤولية وطنية، وإخلاص النوايا، ومصداقية الفعل، ومنهجية الشراكة في مواجهة المخاطر، وتأمين القدرة والتمكين، فالإنجاز نتاج للظروف والحقائق على الأرض، على رأسها البيئة السياسية المواتية لعملها، في ظل الوحدة الوطنية، لتعمل كرافعة للحكومة، دون إخفاء خشيتنا بأن يكون بيان حماس والجهاد الهلامي الصادر عنهما من طهران - حول وضع سياسي جديد في غزة مؤشرا على تدخل إقليمي لوأد مهمة الحكومة قبل أداء اليمين الدستورية !. فالحالة الوطنية لا تستقيم بدون تجسيد السلطة الشرعية، بنظام وقانون واحد، وسلاح واحد، ومؤسسات بمرجعية واحدة، ونعتقد أن المواقف الدولية المعلنة – وأوضحها من أوروبا بهذا الخصوص - ملائمة، لتعزيز مبدأ لا دولة فلسطينية بدون غزة، وليس أمام الحكومة إلا النجاح في قضية غزة باعتبارها رأس التحديات، لمنع التهجير القسري للمواطنين، عبر مواكبة عمل القيادة السياسية لإيقاف إطلاق النار، وتأمين الغذاء والدواء، ومقومات الحياة الضرورية، أما إعادة الإعمار فلدى الحكومة التصور والخطط، وهذا ما أكده رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد مصطفى، معززا ثقته بقواسم مشتركة مع الأشقاء العرب، لذا لا بد من إزالة العوائق على الصعيد المحلي، لتكون الحكومة بحالة الجاهزية والاستعداد، لخدمة المواطن الفلسطيني على أرض دولة فلسطين.
تقتضي المصلحة الوطنية تعزيز المؤسسات بمناهج وآليات عمل، تثبت للمواطنين فعلاً، بأن الخدمات التي تقدمها الحكومة الفلسطينية هي الأفضل، وتؤكد جديتها في تطويرها، وعزمها على بلوغ أحسن أداء، وهذا بالطبع يتطلب إصلاحات، وتفعيل عملية اجتثاث أي فساد مهما بلغ حجمه، فالمواطن الصالح هو المستفيد الأكبر من الإصلاح، فإن كان الإصلاح مصلحة وطنية، فإنه بالتوازي يفتح مسارات تأييد ودعم أوسع من دول العالم، ونحمي به نواة دولة فلسطين المستقلة، ونثبت جدارتنا كشعب طموح، معني باستقامة عمل المؤسسات، وتعزيز مبدأ هيبة الدولة، ورفع مستوى الشعور بالأمن لدى المواطن، وترسيخ هيبة المؤسسة الأمنية، باعتبارها المدخل لحفظ الانجازات، وإشعار المواطن بالأمان على نفسه وحقوقه الأساسية المضمونة في القانون.
سترث الحكومة 19 ملفًا ماليًا صعبًا، عملت الحكومة السابقة برئاسة الدكتور محمد اشتية على معالجته، لكن الحصار المالي، وقرصنة حكومة منظومة الاحتلال (إسرائيل) لأموال الضرائب الفلسطينية، وعدم تنفيذ قرارات القمم العربية بتأمين شبكة أمان عربية، وتوقف الكثير من الدعم الدولي، قد جعلت هذا الملف مشكلة كبيرة، خاصة وأن تأثيراته السلبية تمس حياة الموظفين العموميين المدنيين والعسكريين، باعتبارهم المتضررين بشكل مباشر، لكن القطاع الخاص لم ينج من هذه التأثيرات، إذ انعكس ذلك على البنوك في الضفة الفلسطينية، ناهيك عن التدمير الذي طال البنوك في معظم مدن قطاع غزة، وتباطأت الحركة الاقتصادية، ونسبة النمو، ويجب ألا يغيب عن بال أحد أن منظومة الاحتلال تشن علينا حملة إبادة، ذروتها المشهودة بالسلاح المدمر في غزة، وبقرصنة أموال الشعب الفلسطيني العامة هنا في الضفة، وفرض الضرائب والقوانين العنصرية في عاصمة فلسطين المحتلة القدس. لكننا بالإيمان والإرادة الوطنية، والعمل بصدق، المقرون بالصبر، والإخلاص بمساندة حكومة الرئيس الجديدة، ورئيس الوزراء الخبير، يمكننا جميعا تجاوز التحديات الخطيرة، وبلوغ طريق الحرية والاستقلال والسيادة بأمان وسلام.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها