حادثتان مروعتان واجهتا فلسطين والفلسطينيين هذا الأسبوع، حيث شكلتا وستشكلان وصمة عار كبيرة على جبين البشرية الحرة ليس لفجاجتهما فحسب، وإنما لكونهما قد جاءتا نتيجة صمت العالم على الاحتلال الإسرائيلي الظالم والذي يرى في إدارة البعض ظهره للحق الفلسطيني جواز سفر للتنكر والتطاول والبطش والتنكيل.
وأول هاتين الحادثتين هو تصريح العنصري الأميركي نيوت جينغريتش الذي مارس أعتى صنوف الابتذال السياسي والتزلف المعنوي بحثا عن الرضى والتعطف من أرباب إسرائيل في مطابخ القرار الأميركي، فخرجت حملته الانتخابية باختراع جديد باحثا عن الأضواء معتبرا الفلسطينيين شعبا مخترعا.
وبما أننا نعيش في زمن الانحطاط والتواطؤ واعوجاج المنطق، فإن جينغريتش المتعوس لا يستطيع أن يتهجم على أسياده فيصفهم بالشعب المخترع ولو على هنود أميركا الحمر فيعتبرهم دخلاء على الحياة، بل يستطيع بأريحية وصمت أن يرى في الفلسطينيين مطية لأحلامه السياسية العنصرية.
وثاني الحادثتين هي مقتل الشاب مصطفى التميمي بدم بارد في قرية النبي صالح البطلة كونه حمل مقلاعه الحجري الذي رآه جيش الاحتلال صاروخا نوويا يجب اقتلاعه فاقتلع المقلاع وصاحبه.
ورغم أن القتل هو سمة الجيش المحتل، إلا أن حادثة القتل هذه ليست كسابقاتها خاصة وأن الحكم والتبرير والتسويق قد تمت بصورة الكترونية عينت إسرائيل بموجبها نفسها قاضيا وجلادا، فشرعنت ماكنة الاحتلال وجنرالاتها على الأرض عملية القتل عبر رسائل حية جرى تبادلها من خلال برنامج المحادثة الآنية (تويتر)، فبدأ فحول الميدان مقتنعين بفعلتهم ومدافعين عنها ومبررين تصرف جنودهم دون محاكمة أو استماع أو حتى مراجعة أو مرافعة، بل أن من يراقب حيثيات الحوار المنشور على مواقع إلكترونية عدة بين رموز جيش الاحتلال والناس على اختلافهم يرى أن جريمة الحرب هذه قد تمت بدم بارد فاستحدثت هالة كبيرة من التسويف دونما اكتراث بأبسط حقوق الإنسان.
وكلتا الحالتين لم تمرا إلا لأن العالم قد صمت طويلا على الاحتلال، مادا إياه بتأخير مقصود في قبول طلب فلسطين في مجلس الأمن ومتواطئا مع إسرائيل بكونها إمبراطورية هي أكبر من القوانين والتشريعات وحتى شرائع البشر.
لذلك، وفي ظل منطق البعض الأعوج فإن علينا أن نقبل بسرطان المستوطنات وجدار الفصل الصهيوني العنصري وتهويد الأرض العربية، وخاصة القدس وحصار غزة وسجن الآلاف من إخوتنا، والتنازل عن حق العودة، والقبول بيهودية الدولة، واعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، مقابل أن نقع في غرام الاحتلال ونركع أمامه ونلقاه بالزهور ونحافظ على أمنه، في تجسيد واضح لانعدام المنطق والحق أمام جبروت القوة الغاصبة، ثم يصار إلى الطلب منا أن نكون واقعيين وأن نقدم تنازلات مهمة وأن نمتلك القيادة القادرة على صنع السلام.
أي منطق هذا؟ وكيف لشعب أن يطلب منه أن يسقط ما يسمى قائمة شروطه والعودة إلى المفاوضات فورا دون أن تعترف إسرائيل بأن ما ورد آنفا هو قائمة لشروط لا تنتهي، الهدف منها إضاعة الوقت واستكمال مشاريع التوسع والتمدد على حساب الشعب الفلسطيني المخترع اختراعا حسب اكتشاف إمبراطور التملق والعنصرية الجديد نيوت جينغريتش.
الصمت إذا هو مفتاح التمدد، والتوسع، والتكبر، والتجبر، على شعب لا تسقط حقوقه بالتقادم ولا ينسى أرضه، ولا يبيع إرث أجداده، ولا يتنازل عن حقه وكرامته، شعب مات كباره فلم ينس صغاره أرضهم وحقوقهم.
فهنيئا للصامتين على جرائم العصر والذين أشبعونا تنظيرا وتقريعا لأننا قلنا ذات يوم بأننا لسنا أبناء لرب أقل حظوة أو لشعب يعيش خارج المجرة، فما هو حلال لغيرنا حرام علينا ربما بالأمس واليوم، ولكن حتما ليس دائما... هذا عهد كل المُخترَعين أمثالي!.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها