باسم كل الصامتين الذين تطبّعت حواسهم، على عدم الاكتراث بنبأ قصف وإحراق سيارة في غزة، وقتل من فيها، بذريعة أنهم من منتسبي حركة مقاومة؛ نقول إن هذا الفعل الإجرامي، هو إرهاب مقيت، ينبغي أن ترتفع الأصوات لإدانته ومخاطبة العالم في شأنه، بلغة الاستنكار له كفعل آثم فظيع!

فعند رصد فضاءات الكلام كلها، عقب كل قصف، لا نلحظ ردود أفعال حتى من الدرجة الخافتة، وكأن لهؤلاء المحتلين، الحق في إزهاق الأرواح، في أي وقت شاءوا. وعندما يُستثار مقاومون كانوا مستنكفين عن رمي النار، فيردوا حتى بنيران قاصرة، وإن انغرست قذائفهم في الرمل؛ يصبح العمل مروّعاً في تعبيرات المحتلين ومؤيديهم الأمريكيين وسواهم. ولا أحد يكون معنياً بشرح الآثار المأساوية، الناجمة عن قتل الشباب، علماً بأن هكذا قتل، ينبغي أن تكون له ردوداً وشروحات، حتى بمفردات التهدئة والتسوية، كأن يقول قائل مقتنع بديمومة الهدوء، إن جرائم من هذا النمط، من شأنها مفاقمة الاحتقان في المجتمع الفلسطيني، ودفع الناس بعيداً عن القناعة بجدوى المهادنة، وإلحاق الأذى الدائم بأسر وبأطفال وبسيدات يثكلن أبناءهن أو أزواجهن. وتأجيج غيظ الفلسطينيين من هذه العربدة التي لا يكبحها كابح، وتعميق اليأس الذي تُترجم كل تعبيراته، في شكل النزوع الى عنف مضاد. فالإنسان الفلسطيني في منطق المحتلين لا قيمة له. هم، بذهنياتهم الكريهة المشوّهة، لا يتخيلون أن الشاب عندما يُقتل وتتمزق أشلاؤه، إنما هو عزيز على أهله وعلى محيطه وحركته، وبسقوطه يصبح عزيزاً على الشعب الذي كانت وما تزال حقوقه وحريته، هي مقصده ومقصد كل الشهيد.

المحتلون العنصريون المعربدون، بأفاعيلهم واقترافاتهم في كل مكان من وطننا، يؤسسون للحرب لا للسلم. هم يعلمون أن خواطر الفلسطينيين في كل أرض وطنهم، حيال ما يفعلون وما يقترفون، هي نفسها خواطر الشهيدين اللذين سقطا البارحة في غزة. وأية خواطر يمكن أن تنشأ غير ذلك، بينما هؤلاء الغُزاة الهمجيون، يجافون أبسط معاني وأفكار التسوية، وبدلاً من أن يكتفوا بما فعلت أيديهم ويتوقفوا عن الزحف الاستيطاني والتطفل على حياة الناس وأرضهم، وعن دفع مستوطنيهم الفاجرين الى مهاجمة القرى وإحراق المساجد والكنائس؛ تراهم في حال الغزو الظلامي ماكثين. هم يقصفون خواطر الشباب وما يستمسكون به من مشاعر العز والرجولة والتهيؤ للدفاع عن أهلهم، حتى وإن لم يمتلكوا وسائل الدفاع المادية الفعالة. يريدوننا شعباً أبله، لا يفكر شبابه في مجرد الانتظام في أنساق تنظيمية، حتى وإن اقتنعت التنظيمات بالتهدئة!

كلمة 'تصعيد' التي يمكن أن يتداولها من يتجرأون على شجب القصف، ليست دقيقة ولا معبرة عن واقع الحال. هي مفردة يمكن استخدامها لوصف مشهد آخر، تكون فيه المجابهة مستمرة، والنيران المتبادلة تثير نقعاً، وعندما يجري رفع سقف هذا النيران يكون التصعيد. فليس هناك شىء من هذا القبيل، لأن النيران الفلسطينية خامدة بفعل واقع ميزان القوى وواقع الأوبئة السياسية والسلطوية في المنطقة. والمحتلون لا يُقدرون وضعية التوافق على التهدئة فلسطينياً وعربياً، لذا تراهم يستخدمون طائرات الحرب الحديثة، لكي يقصفوا سيارات يتنقل بها الشُبان، ربما ذاهبين الى بقالة أو الى فرن، أو الى زيارة عائلية. يقصفون فيحرقون ويقتلون، وليس أسهل عندهم من القول، إن الضحايا كانوا على وشك الهجوم على إسرائيل. منتهى الظلم والبشاعة والوحشية. ومن المؤلم، إن الشجب نفسه، بمجرد الكلمات، بات شحيحاً، وكأن الصامتين يعترفون بحق المحتلين في القتل دون مؤاخذة، لمجرد أن تصريحات أو أقوال حركاتهم وقادتهم تتمسك بفكرة المقاومة. وواقع الأمر أنه كلما توغل المحتلون في الجريمة، تفقد فكرة التسوية مساحات من عقول وقلوب الناس، ويصبح حُلم التعايش، الذي يراود كثيرين، على جانبي النزاع، معادلاً موضوعياً للخيبة والهوان!

القصف في غزة، الذي طال إبننا الشهيد الشاب إسماعيل العرعير في الأول من أمس، ثم الشهيدين صبحي وعصام البطش أمس؛ يُعد عملاً في السياق الذي يُقتل فيه الآمنون، وتُهاجم المساجد في القرى، ويتوسع الاستيطان في القدس والضفة، وتُحاصر غزة، ويُحارب الفلسطينيون في أبسط مقومات حياتهم. ويُصار في هذا السياق ذاته، تعطيل السياسة وإضاعة الرؤية، وحرمان الفلسطينيين من الأمرين معاً، المسالمة والمقاومة. وليس من كابح لهؤلاء وليس لنا من نصير!