من نافل القول، أن الإصلاح الحكومي ضروري جدًا، وخطوة بالاتجاه الصحيح. لأن هناك حاجة ماسة لتطوير المؤسسات الحكومية عمومًا وذات الصلة بالخدمات المرتبطة بالمواطنين، والعمل على الارتقاء بها، وتسهيل وتأمين وصول تلك الخدمات بما يؤمن حاجات المواطن في مجالات الحياة كافة، وفي ذات السياق، إصلاح الأخطاء والنواقص، وملاحقة الظواهر السلبية أشخاصا واليات عمل وقوانين حكومية سلبية، أو تعاني من نقاط ضعف، والعمل على سد الثغرات والعيوب الموجودة فيها، بحيث ترتقي لمحاكاة حاجات الانسان الفلسطيني. لاسيما وأن رأس المال الأساسي، والاستثمار الأهم في فلسطين يكمن في المواطن والارتقاء بمكانته ودوره الإيجابي والفاعل في المجتمع. وبقدر ما تنهض الحكومة بحياته، بقدر ما ترتقي الدولة بالمجتمع ككل، خاصة وأن فلسطين تعاني من مسألتين أساسيتين أولاً الاستعمار الإسرائيلي الذي يحد من قدرة الدولة على استثمار امكانياتها بالشكل الأمثل؛ ثانيًا عدم وجود نفط وغاز وثروات طبيعية عديدة، وحتى أن وجدت تلك الثروات، فهي لا تستخدم كما يفترض بسبب الاستعمار، الذي يضع العراقيل نلو العراقيل للحؤول دون استثمارها وفق معايير الدول المستقلة. فضلاً عن قرصنة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على أموال المقاصة وتنهتك كافة الاتفاقات والمواثيق الدولية ذات الصلة، وأيضا انخفاض الدعم المالي لموازنة الدولة من قبل الدول المانحة الى الحد الأقصى، وعدم وفاء الدول العربية الشقيقة بتأمين شبكة الامان المالية للدولة وفق قرارات القمم المتعاقبة، وحتى تلكؤ وتراجع بعضها عن دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، مما يؤثر بشكل مباشر على دورها في تقديم الخدمات الأساسية للاجئين.
ما تقدم لصيق الصلة بما تبنته الحكومة الحالية في جلستها الأخيرة اول امس الاثنين 29 يناير الحالي جملة من الإصلاحات في مجالات عدة، والتي للأسف الشديد جاءت متلازمة مع الضغوط الدولية على القيادة الفلسطينية لأحداث إصلاحات في النظام السياسي والخدماتي الفلسطيني، مع انها حاجة وطنية وسابقة على تلك المطالبات، ومع ذلك أن تأتي الإصلاحات متأخرة نسبيا خير من أن لا تأتي.
ولكن لفت نظري، ان الإصلاحات شملت إجراءات في مجالين حيويين بشكل غير متوافق مع روح الإصلاح، الأول ما يتعلق بالجانب الصحي والتحويلات الطبية للمرضى؛ الثاني ما يتعلق بالمتقاعدين. وكلاهما يتعلقا بحياة المواطن، رأس المال الأساسي والاهم في حياة الشعب الفلسطيني. ففي الجانب الصحي كان يفترض في من وضع خطة الإصلاح ان يتنبه الى الاتي: أولا عدم التعرض من قريب او بعيد للتحويلات الطبية، التي تمس حياة المواطن، لا سيما وان القانون الأساس لوزارة الصحة يقوم على حماية حياة الانسان، والاهتمام بها، والعمل على بناء وتطوير المستشفيات الحكومية. لان هناك نقص في عدد المستشفيات الموجودة في فلسطين، التي لا تزيد عن 31 مستشفى، وعدد الاسرة الموجودة فيها تقارب 4000 سرير، اضف الى نقص العديد من الأقسام الضرورية خاصة المتعلقة بالامراض المزمنة كالسرطان وجراحة الاعصاب وغيرها، ونقص في المستلزمات والأجهزة الطبية الضرورية لخدمة المرضى، وجميعها تعاني من نقص الكفاءات النادرة، او تسرب تلك الكفاءات للمستشفيات الخاصة، او حتى انعدامها لاسباب مختلفة.
وعليه فإن الحاجة الماسة تتطلب في الوضع الطبيعي، وأكثر إلحاحية في الوضع الاستثنائي من حرب الإبادة الجماعية التي تقودها الإدارة الأميركية وإسرائيل ومن لف لفهم على أبناء الشعب في محافظات الوطن كافة وفي قطاع غزة خاصة الى تطوير وزيادة التحويلات الطبية للمستشفيات داخل وخارج الوطن، وليس تقليصها، وكأننا نعاقب المواطن المنكوب بحرب الإبادة من حيث لا ندري، الذي يموت جوعًا ونقصًا في الدواء والخدمات الطبية المقدمة له، وانعدام للمستلزمات الطبية والأجهزة الضرورية لعلاج المصابين والمرضى عموما.
كان الاجدر بمن وضع خطة الإصلاح، ان يضع نصب عينيه أولا زيادة عدد المستشفيات؛ ثانيا تطوير الأقسام القائمة، وانشاء الأقسام الطبية غير الموجودة؛ ثالثا زيادة عدد الاسرة بحيث يتم تأمين سرير لكل الف مواطن وفق المعايير الصحية العالمية؛ رابعا شراء الكفاءات النادرة لتقديم الخدمات في المستشفيات الحكومية؛ خامسا تعزيز موازنة وزارة الصحة بما يمكنها من تقديم الخدمات الطبية الضرورية للإنسان الفلسطيني، ولتسديد الديون المتراكمة عليها؛ سادسا تطوير وتأهيل وإعادة تأهيل الكفاءات الطبية الموجودة للقيام بواجبها بالشكل الأمثل، وغيرها من الجوانب الضرورية لبناء الانسان الفلسطيني القادر على تمثل روح الوطنية الفلسطينية.
وعلى صعيد رواتب المتقاعدين المدنيين والعسكريين كان يفترض عدم التعرض لهم من قريب أو بعيد، وإذا كان ولا بد من أدراجهم في ملف الإصلاح، فكان الأجدر العمل على زيادة رواتبهم، التي تآكلت بنسبة عالية جدًا لاسباب عدة، منها انخفاض قيمة الشيكل الإسرائيلي؛ ثانيًا زيادة الأسعار؛ ثالثا لان هناك قرار سابق بزيادة نسبة رواتب المتقاعدين بما يتوافق مع العاملين انفي الذكر. وآمل من الدكتور محمد اشتيه، رئيس الحكومة ووزيرة الصحة ووزير المالية ورئاسة هيئة المتقاعدين إعادة النظر في القرارات ذات الصلة بالبندين المذكورين أنفًا، أي الصحة والمتقاعدين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها