عززت حركة "فتح" مسيرتها النضالية الكفاحية، بنشر الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة كفصل في كتاب الثقافة الوطنية للمناضل في صفوفها، وللجمهور في الأطر الشعبية والجماهيرية، وبذلك تكون أول حركة تحرر وطنية عربية وحدوية، ديمقراطية تقدمية، وضمنت رافعات قوية صلبة لا تنكسر لبناء مؤسسات المشروع الوطني، والشرط الأساس لذلك احترام الفرد المناضل وتقييمه بمعايير الكفاءة وقدرته على العمل والإبداع، تحت سقف الانتماء الوطني الخالص النقي، دون النظر إلى جنسه، أو شريحته الاجتماعية، وأعتقد جازمًا أن كثيرًا من المناضلات في الحركة، يرفضن نمط وجود المرأة في الأطر التنظيمية او الجماهيرية الشعبية، أو حتى في المؤسسات الرسمية كصورة لرفع العتب، أو بلوغ نسب الكوتا في هذا الاطار أو ذاك، حتى أن بعضهن يرفضن التمييز الايجابي لأنهن يعتبرن انفسهن مناضلات، اثبتن جدارة عز نظيرها في مهامهن الوطنية، ولا يقبلن تعميم الشكل على حساب المضمون، وأعتقد أن المناضلة في أي إطار تنظيمي فلسطيني، أو في أي إطار شعبي جماهيري أو رسمي، لا تقبل "المنحة الذكورية" لأنها ترى نفسها متساوية مع المناضل في ذات المسار الكفاحي النضالي، وأن التنافس في العطاء بلا حدود للوطن، هو الذي يوصل هذا الاسم أو ذاك ذكرًا كان أو انثى، إلى الموقع المستحق، فحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، ما كانت لتستطيع تأكيد مكانتها كعمود فقري لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية لولا ترسيخها فكرة التحرر والعدل والمساواة والديمقراطية كعقلية ناظمة لعمل وسلوك مناضليها، ولولا تطبيقاتها العملية التي يمكنها الفخر بها رغم ما علق بالتجربة الديمقراطية الفلسطينية من شوائب بسبب مفاهيم مستوردة، أو اخرى معلبة لكنها متعفنة، ولا بأس أن توصف ديمقراطية حركة فتح بأنها "سكر زيادة" على أن توصف بقناع لإخفاء ظلامية ورجعية متأصلة ودكتاتورية دموية. قبل اعلان البيان الأول لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" وانطلاق مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة بسنوات، كان المؤسسون "الخلية الأولى" يتخذون الحوار والنقاش الموضوعي والنقد البناء، بمثابة قانون ناظم لمنهج الحركة في العمل الكفاحي الوطني في الاطار التنظيمي أولا، نظرا لظروف العمل السرية، ما سهل على قيادة الحركة ومناضليها في حالة العمل العلني تطبيق قواعد الديمقراطية السائدة والمعلومة مفاهيمها ووسائلها منذ ذلك الحين لدى الجماهير.
التي باتت تنتظر نتائج مؤتمرات الحركة باهتمام بالغ، لتطمئن على صحة دماغ وقلب الحركة، وعلى قدرتها على الاستمرار بدرب الكفاح الوطني، وقد يكون مفيدا هنا التذكير بأن قرار اطلاق العمل الفدائي (الكفاح المسلح) حينها، نتيجة لحوار موضوعي وهادئ، حيث وضع القادة المؤسسون مصلحة الشعب الفلسطيني العليا فوق الاعتبارات جميعا، فأي قرار من وجهة نظر المناضل الوطني يجب ان يكون زمان تنفيذه محسوبا بدقة، وكذلك ميدان تطبيقه، لأن النجاح سيكون لصالح الشعب الفلسطيني، والفشل سيرتد وبالا ومعاناة اضافية عليه، فالأمر بالنسبة لقادة الحركة لم يكن متعلقا بمصير التنظيم وحسب، بل بمستقبل فكرة الكفاح الوطني، وقدرة الشعب الفلسطيني على امتلاك قراره المستقل لخوض معركة التحرر والتحرير، وفعلا كانت حسابات المؤسسين صحيحة، حيث تعرضت لحملات تشكيك وتخوين ممنهجة، وملاحقة أمنية واتهامات فبركتها اجهزة استخبارات معادية، حتى اتى اليوم الذي استطاعت فيه الحركة الاستحواذ على عقول وقلوب الجماهير الفلسطينية والعربية، وصارت ضميرا وطنيا وعروبيا على المستويين الفردي والجمعي، وقد عشنا تلك المرحلة، ونعي تفاصيلها جيدًا، وتحديدًا بعد قرار قيادة الحركة الناتج عن مناقشة عقلانية، بين أعضائها المشبعة نفوسهم وأفكارهم بروح الفدائي التواق لتغيير وجه التاريخ الفلسطيني، فكان التشبث بالأرض والصمود والقتال في معركة الكرامة في الحادي والعشرين من آذار عام 1968 أي بعد 9 شهور على نكسة حزيران.
وبدأت الحركة منذ لحظة انتشارها وتوسع قواعدها جماهيريا ببناء مؤسسات خادمة للشعب الفلسطيني في اماكن تواجده في مخيمات الشتات، وكان لابد من تكريس تجربة المؤسسين الديمقراطية كمنهج عمل لأطر المؤسسات الجماهيرية، بالتوازي مع نشر ثقافة المساواة والعدالة، لتمكين الوان طيف الشرائح الاجتماعية الفلسطينية من المساهمة في رفع مكانة حركة التحرر الوطنية، ودفعها الى الأمام بطاقة العمل الوطني لدى الجميع بدون استثناء او تمييز، وركزت القيادة على مبدأ تمكين المرأة الفلسطينية أخذ مكانها الطبيعي والريادي، وإبراز موهبتها القيادية، وذلك في اطار اختراق وتفكيك المفاهيم الاجتماعية العقيمة الموروثة، فالثورة معنية بتحرر الإنسان الانثى كما الإنسان الذكر، ونجحت قيادة الحركة بإزالة تراكمات النكبة، فالإنسان الفلسطيني بات اكثر وعيا بحقوقه الانسانية والسياسية في خضم الثورة، كلما اخلص لانتمائه الوطني، والتزم بمبادئ حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وعمل على تحقيق اهدافها، فالتحرر والحرية مبدأين، كعينين في وجه الانسان لا يستقيم البصر إلا بسلامة وصحة الاثنتين معا، يستحيل فصلهما عن بعضهما.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها