أيها الإسرائيليون: حريتنا أن نعيش في أرضنا بكرامة واستقلال ككل شعوب الأرض، وحريتكم أن تخرجوا من غياب الوعي والطمس الذي يتراكم في عقولكم، أن تنظروا حولكم، ولا تظلوا اسرى الغيتو والمعسكرات والخرافات.
حريتنا أن ننقذكم من هتلر الذي يعيش في داخلكم، الخوف والرعب من كل شيء، ومهمتنا أن نطفىء الحريق الذي يشتعل في ذواتكم ومدارسكم وثقافتكم حتى لا نحترق معًا.
حريتنا أن نحرركم من ثقافة السفاحين والقتلة، ومن عقدة المحرقة الاستحواذية، ومن مشاعركم الوهمية التي تقول أن إبادة سكان غزة وهذا الهول من القتل والدماء والوحشية تظل أدنى مرتبة من العذاب اليهودي.
حريتنا أن نرمم الانسحاق والهستيريا في نفوسكم، الإنذار الدائم في المعسكر ومداخنه، الشعور بالتهديد الدائم، الحرب هي أساس البقاء، ارتكاب المجازر بحقنا هو أساس وجودكم، فإرثكم الوحيد هو موتنا، وإذا كنا لا نستطيع ان نعيش معًا، فلماذا لا نستطيع ان نموت معًا كما قال لكم محمود درويش منذ زمن طويل.


أيها الإسرائيليون حريتنا أن ننقذكم من الاحتلال الذي افسدكم وجعلكم وحوشًا مفترسين، جردكم من انسانيتكم وحولكم إلى حراس وآلات وطغاة خارج مدار الحياة البشرية والأخلاقية، وهذا شرط كي يتحرر العالم من عقولكم المظلمة، وشهواتكم المجرمة.
حريتنا أن نحطم أسطورة القوة التي تهيمن على أفكاركم، ألم ترتطم رؤوسكم بعد كل هذه النكبات بالحقيقة الفلسطينية الثابتة والراسخة؟ فنحن قلقون على مصيركم الذي يتقاطع مع السؤال عن مصيرنا، فالريح التي تهب علينا هبت عليكم.
حريتنا أن نحرر اسراكم المحتجزين لتدركوا معنى السجن والرطوبة والتعذيب والغياب، لعلكم تتخلون عن كل هذه السلاسل والقيود، وتتحرروا من استمرار بقائكم كجلادين، فالاحتلال هو الذي اعتقل ابناءكم واعتقلكم وسبب لكم ولنا هذه المعاناة.
عندما شاهدناكم في مسيرات التضامن مع أبناءكم المحتجزين، شعرنا أنكم لأول مرة منذ 75 عامًا تروا الفلسطينيين وجها لوجه، بدأتم تعرفون أن هناك شيئًا يسمى السجن، لقد بدأت صوركم تتقاطع مع صورنا، يبدو أن لحطة الضعف الإنساني حررتكم من لحظة الاستعلاء والمكابرة ووضعتكم على قدم المساواة مع آلام الآخرين، كم أنتم بحاجة أن تنظروا بعينين اثنتين وليس بعين واحدة، وأن تكونوا ضحية مرة أخرى ومصدومين مرة أخرى لإنقاذ صورتكم المريضة المشوهة.


حريتنا أن نحرركم من عقلية الجيتو التي ترى أن أي انسحاب من أرضنا هو انسحاب من الوجود، وعيكم العسكرتاري والعنصري العنيف يقول: أن الوجود الإسرائيلي هو وجود الاحتلال والتهويد والاستيطان، فدولة دستورها يحدده مدى الصاروخ والقنبلة والمستوطنة، هي دولة البشاعة والانحطاط والغبار.
أيها الإسرائيليون: حريتنا أن نحرر ذاكرتكم من أساطيرها التي تحتكر الماضي والحاضر والمستقبل، وتنكر وجودنا من التاريخ والمكان والحضارة والرواية والحلم، ولكنكم تورطتم وغرقتم بوجودنا الكثيف، فلسطين وطن الأنبياء والشهداء والاغاني، والحضور الدائم والصمود، فذاكرة الموت لن تهزم ذاكرة الثقافة والمقاومة والحياة.


حريتنا أن نحرركم من أشباحنا وصورنا التي تلاحقكم في النوم وفي اليقظة، وفي كل شارع وحقل ومدرسة، فكيف تعيشون وانتم متوجسون تسافرون في شوارع التفافية، مواظبون ليل نهار على بناء الأبراج والحواجز والأسيجة، حراسًا على حياتكم الهاربة، قناصون يعيشون في طائرات حربية، تجيدون الاستمتاع بالقتل الجماعي في غزة، أي مهنة جعلت ضمائركم متفحمة؟
حريتنا أن نحرركم من رب الجنود الذي يوصيكم في توراتكم على قتل الرضيع وارتكاب الإبادة، حقد اسود وحشي تغطيه القداسة، كراهية عمياء تحولت إلى أيديولوجيا عنصرية تتغلغل إلى مجرى حياتكم اليومية، تبحثون عن انتصاراتكم في جماجمنا، فلم تجدوا إلا أنفسكم مطاردين تحت رمادنا وفوق انقاضنا، فليس دائمًا للضعفاء وحدهم سجن أو قبر أو جنازة.


حريتنا أن نحرركم من الاعتقاد أنكم لا تستطيعوا التعايش معنا، ولكن المعضلة أنكم لا تستطيعوا العيش من دوننا، البحث المستمر عن عدو أو حرب، صناعة الهيمنة والتهميش، استدعاؤنا كلما استنفر فيكم هاجس الأمن والخطر وقلق الهوية والشرعية.
حريتنا أن نحرركم من أعباء الاحتلال الذي امتصكم وجردكم من أدميتكم، تحرير لغتكم من زيها العسكري ونبرتها الحربية، لغة مشوهة تلبس خوذة وتحمل قنبلة، الرصاص المصبوب، والجرف الصامد، حارس الأسوار، السيوف الحديدية، وغيرها وما عليكم سوى أن تنظروا جيدًا كيف تنمو وردة في لحمنا وقصيدة وأغنية.
حريتنا أن نحرركم من غلاة المتطرفين والصهيونية الدينية والمنظمات الصهيونية الإرهابية التي تحكم القبضة على اعناقكم، تقودكم إلى المعركة أو الملاجئ، تقودكم إلى حرق القرى وقلع الأشجار وإعدام الناس، ولم تحسبوا يومًا إنكسار الحروب وخيبات الجيش الذي لا يقهر وشجاعة الضحية في جنين والقدس وغزة.
حريتنا أن نقاوم حتى تصدقوا أن السلام العادل المتكافئ ليس نقيضًا لحريتكم وحريتنا، حريتنا من سطوتكم وفولاذكم، وحريتكم من عالمكم الكولونيالي ليصبح التخلي عن الاحتلال وتفكيك الاستعمار مصلحة لكم ومعرفة حقيقية لقيمة ومعنى الحياة.


أيها الإسرائيليون ماذا تحملون لأحبائكم بعد غزة، ألبومات نسف البيوت على أصحابها كهدايا لأعياد ميلاد أولادكم، صور جثث ممزقة ومدعوسة بين الأسمنت وتحت عجلات الجرافات من النساء والأطفال، تفجير غرف الولادة والعناية المكثفة في المستشفيات، تدمير الكنائس والمساجد ومنع المساعدات، لقد امتلأت البوماتكم بالمشاهد الممتعة، البومات من دماء وجثث، مشاهد تعذيب واذلال الاسرى للذكرى، وثائق لانتصاراتكم المبهرة، وثائق تعيد عصر المغول والتتار وتنامي الفاشية، ولا أدري أي قائد عظيم سيأتي ليحرركم من لعنة غزة، وقد تحولت غزة إلى أكبر منتج لقنابل بشرية إنسانية في قلوب أجيالها التي عاشت الكارثة، أجيال لا تنسى، عاشت الفقدان وعاشت الموت وعاشت وسط المستحيل، أجيال لا تفقد اللحظة القادمة والحاسمة.
حريتنا أن نحرركم من عبقريتكم الزائدة التي تقول أن الحلول السياسية للصراع تفرضها نتائج الحروب على الأرض، حكم ذاتي منكمش، سلطة متجددة، تقليص الصراع، إدارة الصراع، إدارة مدنية، وأن حصل ذلك بالقوة والسيطرة فهو تمهيد لثورات قادمة، ولن يوجد أي فلسطيني يقبل أن يبحث عن فتات سلطة تقع بين المدفع والمذلة والسيف.