أثار خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي أمس الأول الإثنين الموافق العاشر من إبريل الحالي العديد من الاستخلاصات في أوساط المراقبين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالميين، وتباينت الاجتهادات بشأن ما حمله من أبعاد شخصية وائتلافية وسياسية وأمنية عسكرية وقضائية، لكن أقطاب المعارضة جميعًا أجمعوا على أن الخطاب عكس إرباك الرجل، وافتقاده الإمساك بزمام الأمور، وتهربه من المسؤولية عن الأزمة مع إلقائها على المعارضة بشأن تراجع الردع العسكري، وتمسكه بتأسيس جهاز الحرس الوطني، وتراجعه عن اقالة وزير الجيش غالانت، وفي الوقت ذاته إصراره ومضيه قدمًا في الالتزام مع حلفائه فيما يتعلق بملف الإصلاحات القضائية.
وتعقيبًا على خطاب نتنياهو، جاء على لسان وزير الجيش السابق بيني غانتس: النحيب والبكاء لا يبني قيادة، وأما يئير لبيد، رئيس المعارضة فقال معقبًا "نتنياهو يفقد السيطرة أمام الشارع". وتابع "بدلا من عقد المؤتمرات الصحفية والقاء اللوم على الآخرين في المشاكل التي سببتها الحكومة المتطرفة والفاشلة في تاريخ البلاد، فقد حان الوقت له ولوزرائه ان يتوقفوا عن التذمر وتحمل المسؤولية". وذهب افيغدور ليبرمان الى ابعد من ذلك، عندما وصف نتنياهو بغير اللائق للاستمرار في الحكم، ووصف خطابه بخطاب الاتهامات، طارحا السؤال التالي على المعارضة "هل ما زلتم تعتقدون انه يريد فعلا تسوية لملف الإصلاحات القضائية؟". من جانبه قال رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينت "هذا خطاب مشين". ما يؤكد ان الازمة الداخلية الإسرائيلية تتجه نحو التعمق أكثر فأكثر، وهو ما يشي بأن الأمور تسير في خط بياني تصاعدي، وينذر بمزيد من مظاهرات نتاج تعاظم السخط والغضب والدليل نزول المئات من المعارضة للشارع مساء امس الأول، وهتفوا بشعارات ضد رئيس الحكومة الفاسد، وحاولوا اغلاق الشوارع الرئيسية في تل ابيب.
وارتباطا بما تقدم، يمكن وضع الاستنتاجات التالية: أولا جاء الخطاب ذرائعيا وتبريريا، وفاقدا القدرة على الإمساك بخيوط اللعبة الداخلية، كونه القى كامل المسؤولية تجاه الازمة الداخلية والاعمق في تاريخ إسرائيل على كاهل المعارضة؛ ثانيا الاستسلام الكامل امام اقرانه في الائتلاف الحاكم، ولم يحاول للحظة تدوير الزوايا بهدف ترويض بعض اقطاب المعارضة والاستجابة النسبية لوساطة الرئيس هيرتسوغ، التي اقتربت مهلتها على الانتهاء؛ ثالثا التراجع عن اقالة وزير الجيش، غالانت لم تحمل جديدا. لانه عمليا تراجع عنها منذ اول يوم لاعلانها في اعقاب نزول المظاهرات الصاخبة ردا على القرار، والتحاق الهستدروت والشركات ومؤسسات الطيران وضباط وجنود سلاح الجو ووحدة السلاح السيبراني بالاضراب والمشاركة في المظاهرات الرافضة للانقلاب القضائي. كما انه من خلال إبقائه وزير "الكرياه" اغلق باب تصاعد وحدة التظاهرات، وفي نفس الوقت، قدم رشوة للوزير مؤقتة، ومسكه من اليد التي تؤلمه "الإقالة"، وبالتالي اعاده لصف الائتلاف وفق معاييره؛ رابعا اقراره الصريح والجلي بوجود تآكل في قوة الردع الإسرائيلية، وهذا اعتراف من رأس النظام الأول، وليس اجتهادا او تحليلا من هذا الضابط، او ذاك المحلل والمراقب السياسي. مع ان هذا الإقرار لا يعني بحال من الأحوال، ان نتنياهو وائتلافه الفاشي تراجعوا عن خيار مواصلة المعركة ضد الجبهات الأربع: الذئاب المنفردة وقوى المقاومة في الضفة عموما والقدس خصوصا؛ قطاع غزة؛ الجنوب اللبناني والجبهة السورية، التي أطلت برأسها مؤخرا من خلال رشقات الصواريخ الأسبوع الماضي.
وبالنتيجة بدا الملك مسلوب الإرادة، وفاقد الكاريزما التي تمتع بها خلال رئاسته للحكومات الخمس السابقة، ومنهك القوى، لانه لا يستطيع للحظة التخلي عن حلفائه الفاشيين الجدد، كونه ارتهن لهم، وبحكم انهم الغطاء الذي يتلفع به للبقاء في كرسي الحكم، خاصة وان لا احد من اطراف المعارضة مستعد للتحالف معه، لانهم يعلمون انه كاذب ومخادع، ولا يؤتمن جانبه في التحالفات، وغانتس وليبرمان وحتى بينت ذاقوا مرارة ألاعيبه، وليسوا مستعدين لخوض مغامرة شراكة غير مأمونة الجانب. لا سيما انه اصبح (نتنياهو) شريكا للسفارديم في معركة السيطرة على الدولة، كما انه بات هو شخصيًا جزءاً أساسياً من المعركة، وأيضًا وفق استطلاعات الرأي الأخيرة امس الاول، بات رصيده في الشارع متآكلا، وتراجع للخلف كثيرًا بعد غانتس ولبيد، وبالتالي ليس من مصلحتهم منحه طوق نجاة.
إذا أزمة دولة المشروع الصهيوني آخذة في التعمق والتمدد والتوسع عموديًا وأفقيًا، وزادها خطاب نتنياهو غرقا في وحول ومستنقع اللايقين والضبابية والغموض، وحتى لو لجأت حكومة الترويكا الفاشية لخوض غمار الحروب بسلاح الجو على الجبهات الثلاث، لن تنقذ الموالاة ولا النظام من ازماته المتفاقمة.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها