منذ سنوات بعيدة، كنا نقارن بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي، في النشأة، والتاريخ، والطبيعة السياسية، وصيغ التعامل مع الآخرين (أفرادًا ومجتمعات) وقد كانت المشتركات كثيرة ومتعددة، وتصل إلى حال من التطابق المدهش حقًا، وها نحن اليوم نقارن بين سياسة الكيان الإسرائيلي وسياسة الكيان الألماني الذي صاغه هتلر، وحالات التطرف، والعنصرية، والنازية، التي أرادها صيغة عيش وتعامل مع الآخرين، وإحاطة السياستين بهالة من العجرفة والتكبر و(شوفة الحال)، لأن صورة السياستين، بكل ما فيها من المخازي والظلم، نابعة من مفهوم القوة!
الكل في الكيان الإسرائيلي، ومنذ عام 1948 عامة، وفي هذه السنوات الأخيرة خاصة، يتحدثون عن القوة، ويغالون في التطرف والعنصرية والتوحش، وكأن أجيال الإسرائيليين الذين وعوا ما تفعله القوة، لم يحدقوا في مرآة القوة عبر التاريخ، وما حدث لها من ارتطام مريع بالقيم الإنسانية أدى إلى تحطمها وعلى نحو لا يخلو من الهستيريا.
إنهم، وبسبب غشاوة القوة وتوحشها، لم يواقفوا مرايا ثلاث هي مرآة الفرنجة الذين، وبسبب امتلاكهم للقوة، ملؤوا الأرض مقابر بعد كل البطش الذي اقترفوه وسوقوه، وبعد أن بنوا القلاع لتحميهم، ولكنهم في الاختتام مضوا مهزومين، وقد كانت بؤرة قوتهم هنا، فوق الأرض الفلسطينية، وبحيرات الدم الذي سفكوه، تشكلت هنا في بلادنا الفلسطينية، والمرآة الثانية هي المرآة التي ملأها نابليون بونابرت (١٧٦٩-١٨٢١) بالتوحش والدم المماثلين، وخاتمتها كانت الهزيمة المذلة، أما المرآة الثالثة فهي مرآة هتلر (١٨٨٩-١٩٤٥) التي احتشدت بالتطرف والعنصرية والنازية البغيضة، وختامها كان تجرع السم والانتحار المشين، هذه مرايا ثلاث للقوة والتطرف والتوحش معروفة تاريخيا، والكيان الإسرائيلي يحاول، منذ عام 1948، أن يكون المرآة الرابعة للقوة، والعنصرية، والتطرف، ولهذا فإن ما ينتظره هو الاختتام المعروف دائما للقوة التي لا تعرف معاني القيم، أو الحقوق، أو الاجتماع، أو أي حس بشري.
أقول هذا، وأنا أرى المتطرف سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي، ومسؤول ملف المستوطنات في الضفة الفلسطينية، وصاحب تعابير مثل (إسرائيل الصغرى) و(إسرائيل الكبرى)، وقد أشهر خريطتين لهما، واحدة من دون الفلسطينيين في الضفة، والثانية تضم أراضي الأردن إلى كيانية الدم والبطش الإسرائيلية بكل الوقاحة والعنجهية، فهو يقول نهر الأردن لنا بضفتيه، وما من نهر في الدنيا بلا ضفتين، وهذه، يا مدعي الوهم، حقيقة طبيعية، وليست حقيقة سياسية!
سموتريتش هذا، يشبه غوبلز الألماني في أيام هتلر، الذي اختلق تعبيرات كثيرة، وكلها كاذبة، بما فيها قولته) اكذب، اكذب.. (حتى يصدقك الناس. سموتريتش اليوم يقوم بما كان يقوم به غوبلز، فهو يكذب ويطلب ممن هم حوله أن يكذبوا ويصدقوه أيضا، يقول: لا وجود لشعب فلسطيني، وأن جدته عرفت فلسطين منذ 100 سنة، أنه يتعلم الكذب ، فهو لا يعرف أن تاريخ فلسطين ليس السنوات المئة التي عاشتها جدته، تاريخ فلسطين، وعظمة شعب فلسطين تتحدث عنه الأزمنة حين جاء إليها من يشتري من الفلسطيني قبرا لزوجته، ومن يشتري جزءا من بيدر اليبوسي ليبني له عريشه.
منذ(57) سنة، يا سموتريش واسمك يحمل هويتك، (اسمك اسم نهر في أوكرانيا)، وفرق الباحثين عن الآثار لم تعثر على قطعة نقد، أو قطعة زجاج أو فخار، أو حجر يتحدث عن الوجود الإسرائيلي، واذهب إلى كتب المؤرخين والدارسين الأجانب التي طبعت في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ستجد أنهم يتحدثون بالوثوقية كلها، أنه تم اختلاق الشعب اليهودي اختلاقا، وأن ما حدث عام 1948 وحسب مؤرخكم إيلان بابيه كان تطهيرا عرقيا، وتصفية إثنية، مخططة وممنهجة، وأن ما أقمتموه من كيانية هو كيان من النازية الجديدة والوحشية والأحقاد على حساب الدم الفلسطيني المسفوك، وأن ما تقوم به، يا سموتريتش، من إعادة للمستوطنين إلى المستوطنات التي أخليت سابقا، وما تدعو إليه من محو لقرية حوارة وحرقها بأهلها الفلسطينيين إلا الصورة الأبدية التي عرفتم عليها، فأنتم ما زلتم طي غيبوبة القوة وعمائها، ومصير القوة الضريرة هو مصير نابليون، وهتلر، وقبلهما الفرنجة الذين واقفوا مراياهم الثلاثة، وشاهدوا ارتطامهم بالهزيمة المذلة، أما المرآة الرابعة فأنتم تواقفونها منذ 75 عامًا، ومآلكم هو مآلهم الواحد والوحيد، أي الهزيمة المذلة الآتية لا ريب!
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها