لقد اتخذ (البعض) اجتماعي العقبة وشرم الشيخ فرصة اضافية ليس لتسجيل المواقف اللا واقعية واللا موضوعية وحسب، بل لإغراق الشارع الفلسطيني في أماكن تواجده بطوفان من الدعاية دون أدنى مسؤولية وطنية، كانت غايتها رمي سيادة الرئيس ابو مازن وأعضاء الوفد الفلسطيني المشارك في الاجتماعين بوابل من سهام تشكيك وتخوين نارية، والمؤلم إرتكاز (حملتهم) على تقارير وأخبار مصدرها وسائل اعلام منظومة الاحتلال الإسرائيلي محسوبة على الائتلاف الفاشي الحاكم برئاسة نتنياهو، وكأن الذين سارعوا لرسم هالة وطنية فوق رؤوسهم، لا يعلمون مقصد الائتلاف الفاشي الصهيوني من نشر أخبار تحت عنوان تسريبات، وهو إرضاء رؤوس الأحزاب (الصهيونية الدينية) و(العظمة اليهودية) و(شاس) وجمهورهم من المستوطنين المجرمين، ما يعني أن منظومة الاحتلال قد نجحت في جعل تسريباتها بمثابة ذخيرة هجوم لدى (البعض عندنا) التي ثبت فيما بعد أنها لم تتجاوز مستوى الألعاب النارية، المبهرة للنظر فقط، ولا ترقى حتى لمستوى الذخيرة (الفشنك).

البعض الذي استغل الحق في المعارضة لم يضع المعلومات الصحيحة والدقيقة التي نشرتها وسائل الاعلام الفلسطينية الرسمية والخاصة حول فحوى المحادثات في العقبة وشرم الشيخ،  وذهب إلى حد إقالة بصيرته، وضرب مبدأ البحث والنقاش العلمي الموضوعي العقلاني عرض الحائط، واختار تركيب مصطلحات التخوين وتوليفها فيما يسمى بيانات، عندما ألبسوا مبدأ (المعارضة الوطنية)  ثوبًا فاضحًا، لا يليق بقيمها وأخلاقياتها، وسلوكياتها أيضًا.

المعارضة الوطنية حق طبيعي، فهي رؤى وطنية خالصة نقية من أي شائبة رغبات سلطوية ذاتية فئوية أو حتى من إرادة ما خارجية، هي منهج عمل يتكامل ويتفاعل بمسؤولية وطنية عالية في دائرة العمل الوطني المباشر، هي داعم ومساند في المعارك والمسارات المصيرية، ويستحيل تسميتها كذلك إن كانت معرقلاً، أو عابثًا في ميدان الجماهير، هي سياسة وطنية عقلانية تتجه نحو ذات الهدف الوطني الذي يسعى لتحقيقه السياسيون العقلانيون في سدة القرار، والمعارضة الوطنية هي شريك مستمر في صنع المستقبل وتحقيق الطموحات والآمال والأهداف للشعب، ولا تنتظر حصولها على الأغلبية لأخذ دورها. فالشعوب والدول تتفكك وتنهار عندما يصبح الشد في اتجاهات متعاكسة مع المركز سيد الموقف، فتنهار قواعد وركائز الدولة وسلطاتها، نظرًا للخروج العشوائي أو الممنهج من جاذبية (المصالح العليا للوطن).

لا يكفي قول أحدهم: "أنا أرى مصلحة الوطن" لتبرير أعمال وأفعال قد تصيب الوطن بمقتل، فالعقل الإنساني للمواطن يحتاج إلى أدلة وبراهين وبينات وحقائق ووقائع تثبت صحة هذا القول، ويمكننا القول إن الأمر قد يتطلب خرق السرية على أعمال الدولة إذا كان ذلك يصب في مصلحة  الوطن عبر تعريف وإعلام المواطن بالحقيقة، وهذا فعلاً ما حدث عندما نشر الاعلام الرسمي فحوى المطالب الفلسطينية في اجتماع العقبة، وبعدها بيوم واحد نشرت نتائج الاجتماعات، لكن أن يتم أخذ جرائم المستوطنين وجيش وحكومة منظومة الاحتلال كمكذب لنوايا القيادة الفلسطينية الوطنية، ولإضعاف ثقة الجماهير، فهذا انخراط اعمى عبثي في الحدث، تستطيع منظومة الاحتلال تجييره وتوظيفه لصالحها، لأن أي ضعف ينتاب جبهتنا الوطنية، هو مصدر قوة لمنظومة الاحتلال الإجرامية.

 النكبة الحقيقية والأفظع التي قد تلحق بشعبنا الفلسطيني هي الخلط المقصود أو عن جهل بين الرؤية العقلانية للمصالح الوطنية العليا وسبل تحقيقها بوسائل مشروعة ومنها السياسية والقانونية والدبلوماسية اللا محدودة، وبين النظرة الدونية التي تضع العدو في موضع الصدق والأمانة، والوطني المخلص الصادق في موضع التشكيك والكذب والخيانة، فنحن لا نستطيع الانتصار على نكبة فقدان معظم أرض الوطن، إلا إذا استطعنا الانتصار لبصيرتنا الانسانية الناظمة لرؤانا الوطنية، فالسياسي بلا إنسانية لا تليق به سمة الوطنية، والوطني بلا سياسة إنسانية متبصرة لا يليق به مقام في قيادة وطنية.

المصدر: الحياة الجديدة