عندما ترتبط نتائج أية انتخابات في أطر نقابية أو اتحادات شعبية بمزاج الناخب الشخصي ساعة عناق الصندوق بورقته الصحيحة أو الباطلة، أو الملغاة، لا وجوب لتحميل نتائجها تحليلات وأبعادا سياسية أكثر مما تحتمل، لأننا بذلك نثير الضباب والغبار ونضعف الرؤية عن الأهداف الحقيقية التي من أجلها أنشئت النقابات والاتحادات والتي هي بلا شك جزء لا يتجزأ من دائرة السياسة الوطنية العامة، لكنها ليست كلها، كما يحلو للبعض تفسير فوز هنا أو هناك، فالأصل أن التقييم يجب إخضاعه بمدى التزام الإطار الشعبي النقابي أو الاتحادي بالمبادئ السياسية والأنظمة والقواعد والمواثيق الضابطة لعمله، مع التأكيد على استحالة فصل الوطني عن النقابي، والعكس صحيح، فالنضال النقابي أو في أطر المنظمات الشعبية جزء من النضال الوطني العام، باعتباره الوسيلة الأنجع لتنظيم اختصاصات قوى الشعب، وتحقيق أعلى درجات الخدمة العائدة فائدتها على الشعب عموما، وعلى العاملين في القطاعات المهنية خصوصا مع وجوب الحفاظ على المصلحة الوطنية باعتبارها الأعلى، التي لا تستقيم إلا بنجاح النقابات والاتحادات ليس في انتزاع الحقوق المنطقية والمعقولة المكفولة في القانون وحسب، بل في تطوير آليات العمل والإنتاج، ونظم الخطط - حسب الاختصاص - كقاعدة ارتكاز لبناء وطني متكامل، بما يضمن رفع بناء وطني متكامل متجانس رغم التعدد الحزبي، فالأصل أن الانتماء الوطني هو مصدر الإلهام أولا وأخيرا، فكيف إذا اجتمع الإبداع النظري والعملي والتنظيمي النقابي مع الوطني، يتوافقان مع رؤية سياسية وطنية (استراتيجية) شاملة، حينها نعتقد أن النتائج ستكون مبهرة، على عكس ما نشهده في ساحات الانتخابات في الأطر النقابية والشعبية حيث تبدو لناظرها وكأنها ساحات معارك سياسية مصيرية، لا يعلم المشاركون فيها، أو المطلعون على نتائجها، سوى أصحاب لون الراية الفائزة، أما البرامج والوعود الانتخابية، أو ما تحقق منها خلال الدورة السابقة، ومناقشة المشاكل ووضع الحلول المناسبة، فهذا في خبر كان بالنسبة للذين يحسبون نتائج الانتخابات كمعيار للتدليل على مستوى التفاف ليس المنتسبين لهذا الإطار النقابي أو ذاك وإنما على صعيد جماهير الشعب الفلسطيني قاطبة، إلى درجة أنهم لا يتركون للانتخابات التشريعية أي فرصة للحديث عن مستوى التأييد الشعبي العام للفائز في انتخابات مرتبطة بالتشريعات والقوانين المرتبطة بالمصالح العامة للشعب قاطبة وليس لنقابة أو اتحاد .
ليس مجديا ولا مفيدا العمل في ماكينة الإعلام والدعاية لتصوير فوز ما في مجلس اتحاد أو نقابة بمثابة مؤشر على مكانة هذا (الكيان السياسي) أو ذاك والذي قد يكون فصيلا أو تنظيما أو حزبا، أو التفافا حول منهجه النظري والعملي، - حتى لو تم أخذه كعينة للقياس والبحث - لأن الفوز في انتخابات نقابة أو اتحاد أو مجلس ما، قد تقابله خسارة في انتخابات، فتبدو الأمور وكأن الجماهير متناقضة حيث يصورها الفائزون ملتفة حولهم ويمثلونها، لكنها في موقع الخسارة تبدو وكأنها انفضت عنهم ولم تصدقهم !!! وهذا كما نعتقد خطأ جسيم مرده التسرع باعتبار الفوز في مجلس نقابة أو اتحاد بمثابة أصوات الشعب الفلسطيني، الأمر متعلق بانتخابات عامة؟!.
يحق للفائز الحديث عن إنجازاته ووعوده التي قطعها ونفذها، وكذلك ربطها بتوجهاته السياسية، لكن الحديث بإخلاص ومصداقية عن انتصار مبدأ الانتخابات كمسار هام في مسارات منهج الديمقراطية هو ما يجب العمل على تعميمه لدى الجماهير، التي قد تستفيد من موضوعية خطاب دعائي وإعلامي وحتى سياسي حافل بهذا المضمون، ويصبح التنافس في الانتخابات على أساس القياس بمعيار الالتزام بمنهج الديمقراطية الوطنية لبناء مؤسسات (نقابات، اتحادات، مجالس طلابية) على أسس ديمقراطية صحيحة عمادها الرأي والتعبير والانتخاب الحر، ما يمكن الجماهير من الوصول إلى مرحلة الانتخابات العامة بأحسن درجة من الوعي بالمنهج الديمقراطي ومتطلباته العملية قبل النظرية، وتكريس كل ذلك للمصلحة الوطنية العليا (الشعب والأرض والحق)، وفي حالتنا الفلسطينية، تكريسه في التزاوج ما بين النضال والتحرر الوطني وبناء المؤسسات على درب الاستقلال والسيادة.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها