في يوم الثقافة الوطنية، وميلاد رمزها، سيد الكلمة ورسولها، محمود درويش، وفي يوم الجريح الفلسطيني، عانق المناضل الكبير، وشيخ الأسرى الأبطال فؤاد الشوبكي الحرية أمس الإثنين بعد اعتقال متواصل دام سبعة عشر عامًا قضاها بين أسوار وزنازين السجون الإسرائيلية. انتصر اللواء أبو حازم على الجلاد، وعلى دورة الزمن، وتقدم صفوف أسرى الأبطال بعمره المديد (83 عامُا)، ورغم المرض متعدد الأسماء والأوجاع، كابد وصمد المشرف على عملية السفينة كارين A التي كانت تحمل الذخائر والسلاح لأبطال الشعب من المقاومين في الانتفاضة الثانية، التي انطلقت شرارتها في 28 أيلول/ سبتمبر 2000 في أعقاب تدنيس شارون القاتل الصهيوني باحات المسجد الأقصى، فانتفض الشعب كل الشعب رفضًا لنتائج مؤامرة كامب ديفيد2 في تموز/ يوليو 2000، التي حاول الرئيس الأميركي بيل كلينتون تمريرها آنذاك. لكن الرئيس الراحل الرمز ياسر عرفات رفضها، وقال كلمته العالية: لا للتنازل عن الأقصى، ولا للإقرار بأي حق لليهود الصهاينة فوق أو تحت أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ولا في حائط البراق، ولا في أي شبر من الأرض الفلسطينية.

نعم خرج ابن غزة البطلة والمكلومة بالانقلاب الأسود، شامخًا ورافعًا رأسه عاليًا، وهتف باسم الحرية الحمراء، حرية أبطال الأسر، الذين يقارعون الجلاد منذ 29 يومًا في معركة تحد جديدة لكسر شوكة الفاشي بن غفير، وهزيمة مخططه وإرهابه الإجرامي ضد الحركة الأسيرة الباسلة في الـ23 معتقلاً صهيونيًا. وأكد أبو حازم أن أبطال المقاومة داخل الباستيلات، أولئك القابضين على جمر الحياة، وشفق الأمل، لا مجال أمامهم إلا الانتصار، فإما النصر وإما النصر.

استحضر فؤاد الشوبكي وهو يقرأ الفاتحة أمام ضريح الرمز أبو عمار في رام الله مشواره الطويل مع قائد المسيرة المؤسس للوطنية المعاصرة، وتوقف كثيرًا أمام ما كان يسعى إليه رئيس منظمة التحرير السابق من انتفاضة الأقصى 2000/2005، والبون الشاسع بين الطموح والأهداف والواقع المؤلم، والثمن الغالي الذي دفع على مذبح الثورة والانتفاضة.

سبعة عشر عامًا منذ تم اختطاف أبو حازم في 14 آذار/ مارس 2006 حتى تنسمه نسائم الحرية أمس، ليست بالزمن الطويل قياسًا بأسرى الحرية، الذين حكموا مؤبدات، والذين قضوا أربعين عامًا. ولكن مجرد اعتقال مواطن فلسطيني ليوم واحد من قبل سلطات الاستعمار الإسرائيلية يعتبر زمناً طويلاً، وجريمة لا تغتفر، لأن مبدأ الاعتقال يعتبر إرهابًا، ومتناقضُا مع القانون الدولي، ومعاهدات جنيف الأربع وحقوق الإنسان التي كفلها القانون الدولي.

مع ذلك واجه اللواء فؤاد المحنة بشجاعة واقتدار، وتحدى المرض وإرهاب الجلاد، والعزل الانفرادي وكل أشكال التعذيب والتنكيل الإجرامية، وواصل مع أقرانه من أبطال الحركة الأسيرة الوطنية الدفاع عن حقوقهم بثبات وشموخ، وهمة أسود العز والكرامة، ولم يأبه للزمن، وتأقلم مع واقعه خلال السنوات العجاف الماضية، وانتصر على تعقيداتها وظلاميتها ووحشيتها إلى أن تحرر من قيد السجان أمس، وخطًا بثبات نحو الشمس والميلاد الجديد ليحتضن أبناءه من الإناث والذكور والأحفاد ورفاق المسيرة من إخوانه وأصدقائه، الذين انتظروه بفارغ الصبر في ترقوميا، وعند الضريح إلى أن وصل في السادسة مساء لترويحة الردانا، حيث استقبل المهنئين بالانتصار على الجلاد الصهيوني.

يوم حريتك أيها المناضل الكبير أبو حازم، هو يوم جديد من الأمل يبعث الدفء في عروق أسرى الحرية، ويؤكد المؤكد، أن قيد الجلاد وباستيلاته مهما كانت عالية الأسوار، فإنها أدنى من هامة الأبطال، وأبوابها وجدرانها وأسوارها وتجهيزاتها وإجراءاتها الأمنية أوهن من بيت العنكبوت، لأن إرادة جنرالات الحرية أقوى، ومعنوياتهم أعلى، وإيمانهم أعمق بالحرية، وسلاما لك ولكل أسرى الحرية، الذين ما زالوا يقفون في الخندق الأمامي للدفاع عن حريتهم وحرية الشعب كل الشعب. وكفارة أيها المناضل الجنرال فؤاد.

 

المصدر: الحياة الجديدة