تاريخ الحركة الصهيونية وعصاباتها الإرهابية ودولتها الفاشية، هو تاريخ اسود، تاريخ مغمس بالدم والجريمة والإرهاب المنظم، تاريخ مجبول بإعادة انتاج المحرقة، ومزنر بالمجازر والمذابح ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني ليحقق قادة الحركة ودولتهم اللا شرعية غاياتهم الاجرامية في نفي وسحق صاحب الأرض والتاريخ والموروث الحضاري، وترسيخ مكانة الدولة اللقيطة على انقاض نكبتهم المتواصلة، وتقديم الخدمات مدفوعة الثمن للغرب الرأسمالي عبر تمزيق وحدة العرب، والحؤول دون استنهاض المشروع القومي العربي، ونهب ثرواتهم وطاقاتهم وعائداتهم المالية، وسرقة نفطهم وغازهم بأيخس الأثمان، واستغلال موقعهم الجيواستراتيجي في مجابهة الأقطاب الدولية الأخرى. 


سيرورة وصيرورة دولة التطهير العرقي الصهيونية تصب في الغايات والاهداف المذكورة آنفًا، ولا تحيد عنها. لا سيما وأنها مهام التزم بها قادة الحركة الصهيونية امام سادة الغرب، ودولتهم العميقة، أو حكومتهم العالمية. وأي كانت التعرجات والانحناءات والتراجعات المؤقتة والارباكات، التي واجهت مسيرتهم، لم يتخلوا للحظة عن خط سيرهم الناظم لصيرورة العملية الاستعمارية. 


وارتباطًا بما تقدم، نلحظ التكامل العميق بين الحركة الصهيونية العنصرية الرجعية، ودولتها المارقة والغرب الرأسمالي، الذي أصل لوجودها وبنائها، ودعمها بكل مقومات البقاء والتطور والتفوق على العرب. ولن يسمح هذا الغرب الأميركي وقبله البريطاني، أو من سيحل بعدهما في قيادة المعسكر الغربي، أن قدر لإسرائيل البقاء والعيش لأكثر من ثمانية عقود، للعرب أنظمة أو منظمات ثورية بالتفرد بالدولة الأداة المأجورة، إلا إذا تحللت واندثرت لوحدها بفعل الكفاح الوطني التحرري، واتساع وزيادة وتعمق التناقضات فيما بين مكوناتها. 


انطلاقًا من هذا المدخل، الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بغض النظر عن ائتلافاتها ومكوناتها الحزبية، فإنها جزء لا يتجزأ من منظومة الغرب الرأسمالي، ولهذا تعتقد جازمة أنها خارج المساءلة، أو الملاحقة القانونية، ليس هذا فحسب، لا بل محمية من اسيادها، وبناؤها ومؤسسوها في الغرب بمختلف مكوناته الانكلوسكسونية والفرانكوفونية. 


وعليه فإن مجزرة جنين صباح يوم الخميس الماضي الموافق 26 يناير الحالي هي الامتداد الطبيعي لتهج ومساق المذبحة والمجزرة والمحرقة، التي لن تتوقف يومًا، وجاءت لتؤكد هذه الحقيقة، ولتضيف أن الحكومة الفاشية بزعامة نتنياهو الفاسد، أرادت أن تكرس في الواقع خيارها الاجرامي النازي، وتوجهها السياسي والأمني العسكري تجاه الشعب العربي الفلسطيني، ولسان حالها يقول بملىء الفم: لا سلام مع الفلسطينيين، ولا لغة حوار مشتركة معهم، إلا لغة واحدة، هي لغة  البارود والقتل والنفي والتطهير العرقي والتهويد والمصادرة والبناء الاستيطاني الاستعماري، وبالتالي لا اعتراف بالشعب الفلسطيني، ولا بأية حقوق سياسية أوقانونية له، وأن "فلسطين أرض الحركة الصهيونية ودولتها اللقيطة واللا شرعية". كما أراد الحاوي من خلال المجزرة، حرف الأنظار عن الصراع الداخلي في اوساط النخب والأحزاب والقوى السياسية والقضائية، وإرغام قوى المعارضة الإسرائيلية على الصمت، وعدم الخروج في مظاهراتها الأسبوعية. ولهذا استبق المظاهرة القادمة بارتكاب المجزرة عشية خروجها للشارع ولميدان "هبيما". وكذلك شاء بمجزرته التاثير على أية قوى إسرائيلية جديدة يمكن أن تلتحق بصفوف المعارضة، وفي الوقت ذاته تعزيز وحدة إئتلافه الفاشي، وتهدئة خواطر غلاة النازية الجديدة، وتمرير باقي مشاريع القوانين، التي تحمي رأسه من مقصلة القضاء، وتعزز هيمنة وسيطرة قوى اليمين الفاشي في مختلف مجالات الحياة، ولتعميق سياسات الكراهية والعنصرية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والساحل. وفي السياق اسكات الأصوات المنتقدة له ولحكومته في أوساط الغرب الرأسمالي وخاصة في أميركا وبعض دول أوروبا الغربية. 


وعطفاً على ما تقدم، فان الشعب العربي الفلسطيني وقيادته السياسية أمام مرحلة انعطافية هامة ونوعية من الصراع، الأمر الذي يملي علي الجميع التوقف أمام التطورات الدراماتيكية، وإعادة نظر جدية في البرنامج السياسي والكفاحي، والاندفاع نحو الوحدة الوطنية، وتكريسها على الأرض، والشروع فورًا بالوحدة الميدانية من خلال تصعيد أشكال المقاومة المختلفة وفي المقدمة منها المقاومة الشعبية، ومواجهة التحديات الصهيو أميركية كفريق فلسطيني واحد تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد، وطي صفحة الانقلاب فورًا. ورفض أية ضغوط أميركية أو أوروبية او عربية رسمية، والتمسك بالثوابت الوطنية حتى تحقيقها كاملة، ومطالبة الجماهير العربية وقواها الحية الضغط على أنظمتها لوقف التطبيع الاستسلامي المجاني، وطرد السفراء الإسرائيليين من بلدانهم.