من الصعب أن يلتئم جرح متعفن، إما أن يخضع للتعقيم قبل فوات الأوان أو البتر في حالة استفحال العفن. وكذلك هي العلاقات الإنسانية والبشرية في المجتمع، إذا انتشر المرض والعفن في جسد الأمة لا يصلح العطار ما أفسده الدهر، وأخر العلاج الكي بالنار. لا أريد أن أتحدث في العموميات فهذا لا يجدي أبدًا، إنما الحديث هو ما تسببه الأفكار المسمومة التي تنتشر في أوساط الشعب الفلسطيني. السلطة الفلسطينية هدف مرصود لتلك الجماعات العقائدية وغيرها، وما تحاول أن تبثه من تشوهات، لتشويه وتسميم وحدة شعبنا الفلسطيني، وهذا مشروع كامل الأوصاف بهيئته ومعداته وأسلوبه ومنهجه لإسقاط النهج الوحدوي، وخلق مناخات لتعزيز الانقسام بين أبناء الشعب الواحد من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وتمرير مخططات الاحتلال وأعوانه.
إذا ما تسنى للسلطة الفلسطينية أن تسقط فإن الفوضى في أوساط المجتمع الفلسطيني هي ما سوف يسود وهذا هو الذي يسعى إليه الاحتلال، والكل يعرف ذلك وليس سرًا فقادته يتحدثون بالعلن عن ذلك. وإلغاء كل الاتفاقيات التي أنشأت السلطة الفلسطنية. التمثيل السياسي مهم جدًا للشعب الفلسطيني، لأن هذا التمثيل جاء على أساس مشروع الحلم الفلسطيني في دولة فلسطينية على أرض فلسطين. وسقوط السلطة التي تسعى بعض الأحزاب والجهات الفلسطينية مع الاحتلال لإسقاطها سيفرض حالة مختلفة تمامًا على الشعب الفلسطيني.
في كل يوم تطالعنا صفحاتهم، وأدواتهم في دس السم بالعسل، وترسيخ مفاهيم لتسميم المناخات الاجتماعية والسياسية. لا يتاونون أبدًا، ولا يكلون ولا يملون وتحت راية الدين وخلافة الله في الأرض، وأخرى تطلق على نفسها المعارضة، تبث تلك السموم، ولا أعرف متى يمكن لهذا الشعب أن يفهم أن المستهدف هو الجميع ولا يستثنى أحد، ومتى يفهم هؤلاء أن وحدة الشعب الفلسطيني والفصائل الفلسطينية هي أهم الجهود لنيل حريته واستقلاله من الاحتلال.
أنا أعرف لو أني أريد الاشتباك مع هذه الصفحات من أجل إبراز الحقائق، لوجدوها مناسبة لفتح سجال لا ينتهي، ولكن صدقًا إن تلك الجهود التي تبذل من هؤلاء لتفريقنا، لو بذلت من أجل حرية الشعب الفلسطيني لنال شعبنا الحرية منذ زمن طويل. بث السموم، وتعكير صفو الأجواء الداخلية أصبح واضحًا أنه مشروع صهيوني امبريالي لطمس القضية الفلسطينية.
المشهد الفلسطيني في هذا الوقت يعتبر في أسوء مراحله التاريخية، ليس بسبب الحرب الشرسة التي يشنها الاحتلال على شعبنا وأرضنا الفلسطينية فقط، ولكن ما ينتج أيضًا من ممارسات من الجهات الفلسطينية التي تمثل أحزاب ومعارضة وانقسام على أرض الواقع، أدّى إلى جر الشعب الفلسطيني إلى معترك، كان بالإمكان تجنبه والحفاظ على مقدراته سليمة بالقدر الممكن.
بسبب التحريض أيضًا فإن المجتمع الفلسطيني يتعرض للتفسخ والانقسام، وهنا أود أن أسأل أصحاب الفكر المستنير، هل بيوت الله مصدر لبث السموم، وهي تسمى جوامع بمعنى أن الأمة تجتمع في بيت الله من أجل توحيد الكلمة وليس العكس، لقد جعلوا من بيوت الله أماكن للتفرقة وليس لوحدة الأمة. وناهيك عن منصات التواصل الاجتماعي التي أهم ظهورها واستعمالها تبادل الأفكار والثقافات وتعزيز الفضائل، وليس منصات لبث السموم، والتجسس والفكر الهدام. إنه مشروع تصفية القضية الفلسطينية من الداخل أيها السادة هذا هو المخطط وهذا هو المشروع.
في كل ما عرفت من خلال متابعاتي، أن كثيرًا من الذين يتصدرون المشهد هم من العملاء وأعداء الشعب الفلسطيني، وكل الذين يصدحون في الشتائم تبين أنهم يعملون وفق أجندات العدو. التحريض لم ولن يتوقف إلا عندما يرون أن المشروع الفلسطيني آيل للسُّقوط، وحدث الانهيار الذي يريده العدو ومشاريع التصفية التي تسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية. أجزم تمامًا أيها الأخوة القراء الأعزاء أن هذا التراشق سوف يتوقف وأنهم سيصابون بالخرس عندما تسقط القضية الفلسطينية في وحل مشاريع التصفية.
إن المطروح على الشعب الفلسطيني اليوم هو التهجير، وصفقة القرن، والنزوح، والحصار والتجويع وكل ما يسهم في تصفية القضية. وأوكد لكم أن المشروع الذي يلي التصفية هو شيطنة الشعب الفلسطيني الذي بدء مع السابع من أكتوبر، وأن العدو لن يهدء إلا وقد أدخلنا إلى نفق مظلم دون هوادة أو رحمة، حتى لا يستطيع الشعب الفلسطيني أن يرفع رأسه ويدخل في عالم "الكومة" والتطهير العرقي الذي لن يحدث إلا بفضل الانشقاق والنزاع الداخلي، والمسار الذي تسيرون فيه لتعزيز الانقسام.
يعز علي أن أرى الفلسطينيون في بعض مناطق الشتات ينساقون وراء الأوهام، يعتقدون أنهم يعززون العزة والنصر، وهم في حقيقة الأمر يعززون الهزيمة، وصفقة القرن وغيرها من المشاريع التصفوية.
الفريسة لا تكتب التاريخ أيها السادة، سيكتبها الصياد وبكل عنجهية وكل الذين يشاهدون المشهد الفلسطيني اليوم، وأني سأقول لكم ماذا سيكتب التاريخ عن هذه المرحلة من تاريخ القضية الفلسطينية، سيكتب التاريخ أن الفلسطينيين كانوا متناحرين، وسيقول التاريخ أن الشعب الفلسطيني خان القضية الفلسطينية، وأنهم غير متفقين ولهذا السبب ضاعت القضية الفلسطينية وضاعت فلسطين. ستنسب كل الهزائم إلى الفلسطينيين، وسيقولون أن العالم كله حاول وعمل على أن يجمع الفلسطينيين على كلمة واحدة في القاهرة، وموسكو، ومكة، وبكين وكل العواصم التي استضافت اللقاءات الفلسطينية لكنهم رفضوا وحدتهم بسبب التناحر والأنانية، في تلك اللحظات ستلعنكم الأجيال القادمة والعرب والمسلمون، وساعتها لا تلوموا التاريخ ماذا سيقول عنكم؟.
لا يزعم أحدكم أنه حارب وامتشق السلاح بسبب حبه لفلسطين والمقدسات والأقصى وأرض الإسراء والمعراج، وقد ترك وحدة الأمة تذروها الرياح. أليس الله الذي دعى إلى أن أمركم شورى بينكم، أليس الله دعى أن أمتكم أمة واحدة، أليس الله الذي دعى إلى الاعتصام بحبله ولا تفرقوا. إلى كل هؤلاء الذين ضحوا في الغالي والنفيس وجاهدوا، ولكنكم خالفتم شرع الله فإنكم كاذبون، لأنها الأنانية المطلقة، وليس هكذا نحب فلسطين، لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. ومن خالف شرع الله في وحدة الأمة والشعب فقد حلت عليه الهزائم ولعنة الله ورسوله والمؤمنون والتاريخ.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها