يبدو للمراقب البعيد عن المشهد الإسرائيلي، أن هناك صعوبة بالامساك بخيوط لعبة الائتلاف الفاشي الحاكم نتاج بروز تباينات بين مكوناته على تفاصيل تنفيذ مخطط التهويد والمصادرة وتوسيع نطاق الاستيطان الاستعماري، فضلاً عن عدم قدرة أنصار الفاشية الجديدة على استيعاب مناورات رئيس الحكومة، الذي يرفض السير على الطرق المستقيمة، ويلجأ للصعود لأهداف عبر المسار الحلزوني غير المباشر، ويختار منطق الالتفاف والفهلوة لبلوغ مراميه، ويقول الشيء ونقيضه في آن، يستخدم لغة مطاطية، غير محددة، وملتبسة وضبابية مع قادة ومسؤولي الدول في الإقليم والعالم. كما مع أقرانه، رغم النصوص الواضحة في اتفاقات الائتلاف.
بيد أن المتتبع لمسار زعيم الليكود، وللمخطط الاستراتيجي الصهيوني الاجلائي الاحلالي يدرك جيدًا، أن نتنياهو لا يحيد قيد أنملة عن تلك الأهداف والمخططات في تأبيد الاستيطان الاستعماري، وتبديد خيار السلام، وتفريغ السلطة الفلسطينية من آخر ملامحها الوطنية، وتعميق وتوسيع الترانسفير والتطهير العرقي، وإقامة دولة إسرائيل الكاملة على أرض فلسطين التاريخية، كمقدمة للسيطرة لاحقًا على شرق الأردن. لا سيما وان هدف الليكود الأساس الناظم لحكمه، هو اعتبار الأردن جزءًا من أرض "الميعاد"، ويرفض الفصل بينه وبين فلسطين الواقعة تحت نير الاستعمار المباشر، وكل ما يجري الان مع القيادة الأردنية مجرد مناورات لحين بلوغ اللحظة المناسبة للانقضاض عليه، وإخضاعه بالكامل للسيطرة الاستعمارية الإسرائيلية، أن قدر له ذلك.
ارتباطًا بما تقدم، صرح نتنياهو يوم الاثنين الماضي الموافق 23 يناير الحالي في اجتماع أمام أعضاء كتلة الليكود في الكنيست "جئنا إلى السلطة بوعد واضح بتغيير الاتجاه، ومحاربة البناء الفلسطيني غير القانوني." حسب ما ذكرته صحيفة "جيروزاليم بوست"، وأردف للتضليل قائلاً: "هذا لا يعني اننا سنسمح ببناء إسرائيلي غير قانوني". وجاء هذا التصريح بعد الأزمة العابرة بين وزير الحرب والوزير في وزارة الحرب في اعقاب إزالة بؤرة "اؤر حاييم" بعد 24 ساعة من إقامتها، التي أقيمت على أراضي قرية حوريش الفلسطينية.
ولنلاحظ الآتي من تصريح نتنياهو، أولاً هو ساوي بين أصحاب الأرض الأصليين، وبين قطعان المستعمرين، وهذا الخلط المتعمد ينسجم مع الاتفاق المبرم بين حزب الصهيونية الدينية بزعامة سموتيريش والليكود بزعامة بيبي، والذي يهدف لدمج السكان الفلسطينيين مع قطعان المستعمرين داخل حدود الضفة، بحيث يتم طمس ملف الاستيطان اللا شرعي في أراضي دولة فلسطين المحتلة؛ ثانيًا أوحى للمستمع لموقفه، وكأنه سيحافظ على الوضع القائم، بمعنى أنه ملتزم مع الرؤية الأميركية والأوروبية، وحاول طمأنة بعض العرب المتورطين في اتفاقات الاستسلام. لكن الحقيقة غير ذلك؛ ثالثًا النقطة الأهم، التي نطق بها، والتي تنفي تمامًا ما ذكره في ثانيًا، حيث قال: "جئنا إلى السلطة بوعد واضح (ببرنامج انتخابي لا لبس فيه، أو غموض) بتغيير الاتجاه".
المتمثل في محاربة البناء الفلسطيني، ليس هذا فحسب، وإنما بتصعيد عمليات التطهير العرقي للفلسطينيين، وتأهيل البؤر الاستعمارية وفي المقدمة منها أفيتار، وتعديل قانون الانفصال بهدف تشريع مستعمرة حومش، وربط المستعمرات والبؤر الاستعمارية الجديدة بالبنية التحتية، وبناء 18 ألف وحدة استيطانية في الأرض الفلسطينية، وحل الإدارة المدنية، وربط قضايا السكان بالوزارات الإسرائيلية مباشرة، وإسقاط طابع الاستعمار عن السياسات الإسرائيلية، وتصفية خيار السلام عمومًا، وحل الدولتين خصوصًا على حدود الرابع من حزيران 1967
ومع ذلك ألاعيب زعيم الليكود باتت مفضوحة، ولم تعد تنطلي على أحد ممن تابعوا مسيرته، وأدركوا أكاذيبه، وألاعيبه المكشوفة.
حتى أن زعران الفاشية الجدد يدركون ذلك، وهذا بالنص ما ذكره سموتيريش عن نتنياهو، انه كاذب، ورخيص ومع ذلك بحكم المصالح المشتركة لأقطاب الائتلاف الفاشي الحاكم تم تجسير المسافة بينهم، والقفز عن التباينات لصالح الهدف الاستراتيجي الصهيوني في تأبيد الاستيطان الاستعماري، وتصفية القضية الفلسطينية والسلام في آن، كونهما ملفين مترابطين بشكل عميق.
هذا التوجه الإسرائيلي السائر باندفاعة قوية نحو الأهداف انفة الذكر، يحتاج إلى مراجعة شاملة للسياسات والبرامج الوطنية، والعمل بسرعة ومسؤولية لتكريس الوحدة الوطنية وتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي، وتصعيد المقاومة الشعبية المتلازمة مع المقاومتين السياسية والديبلوماسية، والانعتاق من اتفاقيات أوسلو وبرتوكول باريس، وسحب الاعتراف بإسرائيل، وليس تعليق الاعتراف بها فقط، ودعوة المجلس المركزي للانعقاد ولو عبر الزووم للتصدي الفوري لجرائم الحرب الإسرائيلي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها