تضلل سماء مصر غيوم سوداء في ظل التجاذب الحاد بين المتظاهرين في المدن المصرية المختلفة وخاصة في ميدان التحرير من جهة وبين المجلس العسكري الاعلى للقوات المسلحة من جهة أخرى. تنظيم الاخوان ينزوي في الظل، يحرص على إستغلال اللحظة للانقاض على السلطة في حال تواصلت حالة الشلل تخيم على الاجواء المصرية.

اوجه الازمة المصرية عديدة، لا تقتصر عند حدود التجاذب المذكور آنفا، منها ، الانتخابات غدا الاثنين، واصدر المشير طنطاوي مرسوما بتمديدها ليوم آخر، اي ان الانتخابات ستستمر يومي 28 و29 الشهر الحالي. وفي هذا الجانب هناك اسئلة كبيرة طرحها الشارع المصري والمراقبون على حد سواء، منها، هل ستتم الانتخابات؟ اي هل سيتمكن المجلس العسكري من ضمان نجاح الانتخابات؟ هل سيتجاوب الشارع المصري مع المجلس العسكري؟ أم ان الانقسام وعملية الشد والجذب ستبقى قائمة؟ ومن يضمن سلامة صناديق الاقتراع في ظل الوضع الامني المعقد والصعب في اليومين المذكورين 28 و29/!!؟ ومن يضمن ان لا يتم التزوير نتيجة غياب الامن، وضمان الحماية الحقيقية للعملية الانتخابية؟ بتعبير أدق، ألم تصبح عملية الانتخابات ذاتها جزءا اساسيا من الازمة القائمة في مصر؟ ومتى يمكن معالجتها؟ واليس من الواجب تأجيلها لبعض الوقت لحين تأمين واقع سياسي وامني مناسب لاجرائها؟ والا يعتقد المجلس العسكري ان الاصرار على اجراء الانتخابات في الظروف الحالية شكلا من اشكال تعميق الازمة، وامكانية إستثمار البعض لهذا الواقع لتفجير الاوضاع ودفع مصر نحو مستنقعات آسنة لا تخدم سوى اعداء الثورة؟ 

ثانيا موضوع الحكومة، ففي الوقت الذي نادت فيه شباب التحرير بتكليف شخصية من خمس شخصيات منهم محمد البرادعي او عبد المنعم ابو الفتوح او حمدين صباحي وآخرين، ذهب المجلس العسكري الى إختار كمال الجنزوري، وهو شخصية من الحرس القديم، والمحسوبين على النظام السابق بغض النظر عما يشاع عن الاختلاف الذي حصل بينه وبين الرئيس السابق حسني مبارك. والخطأ المرافق لخطوة تكليف الجنزوري، انها جاءت في أعقاب إعتذار المجلس العسكري عن الاخطاء، التي ارتكبها تجاه المتظاهرين خلال الايام الممتدة من السبت الى الخميس الماضي، ونتج عنها سقوط مئات الشهداء والجرحى. الامر الذي دفع المتظاهرون في ميدان التحرير للاعلان عن تشكيل حكومة إنقاذ برئاسة البرادعي، فضلا عن المطالبة برحيل المجلس العسكري والجنزوري على حد سواء.

وهنا الآ ترى قوى الثورة إمكانية ايجاد مساومة مع المجلس العسكري، بما يضمن لهم تشكيل حكومة تتوافق مع رؤاهم،ومن خلال إدخال العناصر التي يريدونها الى قوام الحكومة الجديدة. بغض النظر عن اسم رئيس الحكومة. الهدف من ذلك، قطع الطريق على القوى المتربصة بالثورة وخاصة اميركا وحركة الاخوان المسلمين وكل قوى الثورة المضادة.  

ثالثا إصرار المتظاهرون على رحيل المجلس العسكري فورا وتسليم الحكم لمجلس رئاسي مدني. هذه المسألة ايضا تثير علامة سؤال كبيرة، مثلا: من هو البديل الآن؟ وهل البديل سيلقى التأييد والقبول من قبل قطاعات الشعب؟ ولماذا لا يمنح المجلس العسكري فرصة جديدة لاتمام المرحلة الانتقالية، التي تتضمن الانتهاء من الانتخابات التشريعية والرئاسية، خاصة وان المجلس منح الشرعية الثورية من قبل ثوار ميدان التحرير؟ وألآ يرى ثوار التحرير بغض النظر عن حجومهم، انهم لا يستطيعيون الادعاء انهم يمثلون كل الشارع المصري، لان قوى الثورة ليست موحدة على رأس قيادي واحد، ولا على برنامج عمل واحد، وكل قوة او مجموعة قوى تعمل بشكل منفرد عن المجموعات الاخرى، الامر الذي يضعف صوت ثوار التحرير، ويحول دون إدعائهم تمثيل كل قوى الثورة؟ ثم أليس من الافضل لقوى الثورة الحقيقية الاستعداد لخوض الانتخابات لقطع الطريق على السيناريوهات الاميركية - الاخوانية ومن لف لفهم، بعد ان اثبتوا خلال الايام الماضية، انهم قوة حقيقية قادرة على حشد الجماهير خلفها. كما انهم استطاعوا ان يميزوا انفسهم عن جماعة الاخوان والجماعات الاصولية السلفية، المعادية للدريمقراطية؟  

رابعا البعد الاقتصادي في الازمة، استمرار الازمة يعني إفلاس مصر، وتعميق ازمتها الاقتصادية. وزيادة نسبة الفقر والجوع في اوساط المصريين، وبالتالي زيادة نسبة البلطجية والشبيحة وقطاع الطرق، وهو ما يعني مضاعفة حجم الاخطار التي تواجهها مصر وتهدد مستقبلها. هذا لايعني المساومة والقبول باي ثمن، وانما تستدعي الضرورة من قوى الثورة قراءة التداعيات المحيطة بواقع الثورة ومستقبل مصر العربية. لان مصر ليست ملك للمصريين ، مصر الشقيقة الكبرى، ومصيرها يهم كل عربي وخاصة كل فلسطيني. واية تحولات سلبية او ايجابية في الساحة المصرية لها انعكاسات مباشرة على الكل العربي وخاصة الشعب والقضية الفلسطينية.

لذا على المجلس العسكري وقوى الثورة على حد سواء إيجاد قواسم مشتركة للخروج من نفق الازمة المحيقة بمصر وثورتها العظيمة، والعمل على حماية الانجازات التي حققتها الثورة، وفي السياق إبعاد شبح السيناريوهات الاميركية - الاسرائيلية عن الربيع المصري.