مثلما كتبنا مراراً في هذا المكان؛ لن تكون هناك صعوبة في الاتفاق على الخطوط العريضة والعناوين العامة، التي سيجري “لاحقاً” البحث في ملفات موضوعاتها والتوافق على تفصيلاتها. الآن، وبعد تفاؤل الأمس، في وسع واحدنا أن يجزم، بأن حركة حماس ستكون أمام اختبار صعب وجدي، على مستوى مجاهدة نفسها، لكي تلتزم وتعمل بالروح التي توصلت من خلالها الى الاتفاق على العناوين العامة، وتحلى بها الوفد الحمساوي الى القاهرة، برئاسة خالد مشعل. لكن الأيام القليلة الماضية ستختبر صدقية التوجهات، لا سيما وأن زعامة مشعل تواجه تحدياً داخلياً حمساوياً، ممن يحكمون غزة ويرون في ارتفاع القبضة الحديدية التي يفرضونها على الناس، خطراً على مستقبلهم. ويتمنى الفلسطينيون أن تذهب حماس الى المصالحة دون تلكؤ أو تسويف أو عراقيل، وأن تتذكر جسامة المسؤولية الملقاة منذ الآن فصاعداً، على أي كيان فلسطيني وعلى أي حكم، وأن تأنس في نفسها الشجاعة التي جعلت فتح، تُفسح لها مجال الدخول الى النظام السياسي، دون شروط سياسية، ودون أن تخشى على نفسها أو على نفوذها.

نحذر هنا، من العودة الى أسلوب يكون فيه حل الإشكالات بالمفرق ودون جداول زمنية، في الوقت الذي يُنفذ حالاً وبالجملة تطبيق المصالحة وتشكيل حكومة المستقلين التكنوقراط. لا بد من الاتفاق على العمل الأمني في قطاع غزة، وعلى البيئة التي سيعود فيها أفراد وضباط الشرطة الفلسطينية الى العمل، كتوطئة للتوافق على استقرار مؤسسة أمنية مهنية في قطاع غزة. ولا بد من حل سريع لإشكاليات العمل لكي يلتحق العاملون المنتمون الى حركة فتح بأعمالهم التي استنكفوا عنها في تدبير خاطىء تعجل فيه رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض. فنحن الآن أمام ركام متعدد الصنوف، وهو الذي يُشار اليه بملفات المصالحة. ولعل الشيء الأهم الذي ينبغي أن يفهمه المتنفذون على جانبي الخصومة، بعد الاتفاق على العناوين العامة، هو أن الأطراف الإقليمية الشقيقة، لم تعد تحتمل الخصومة الفلسطينية، وأن وحدة الكيانية باتت مطلوبة، وحين يعطلها معطلون، فإنهم لن يربحوا شيئاً. وفي الواقع هناك من توحي لغتهم بالإصرار على مواصلة الخصومة. لكن هؤلاء لا يمتلكون أية أوراق في أيديهم، سواء كانوا من معسكر فتح أم من معسكر حماس. فلا تسوية سالكة ولا مقاومة متاحة. ولم تنفع الطرفين لا محاولات الضغط لإنقاذ المفاوضات، ولا الجهود الميدانية لوقف المقاومة وإنقاذ الهدنة. لذا لم يعد هناك مناص من تعزيز الورقة السياسية، بالتوافق على الكيانية الواحدة، التي تعتمد برنامجاً سياسياً، لا يعجب الجميع، لكنه يمثل الممكن المتاح والواقعي.

لعل هذا هو المنطق الذي اهتدى اليه وفد حماس الى القاهرة، وربما أدرك قبله أن معطلي الوفاق لن يجدوا طريقهم معبدة، ولن يكونوا مقنعين، ولن يكترث لطرحهم الفلسطينيون، لأن تجارب الناس باتت غنية ومريرة، وباتت الوحدة في رأيهم هي شرط الحياة نفسها!