لا يملك اي فلسطيني غيور على وطنيته ومصالح شعبه العليا سوى الترحيب بالنتائج، التي خرج بها الاجتماع الذي جمع الرئيس ابو مازن مع السيد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. لا سيما وان كليهما أكدا على طي صفحة الخلافات، وتأكيدهما على إنتفائها. وأن الايام والاسابيع القادمة ستشهد وقائع تكرس المصالحة الوطنية، إن كان على صعيد تشكيل الحكومة او على صعيد إصلاح منظمة التحرير او ملف المعتقلين السياسيين، والاهم الاتفاق على الرؤية البرنامجية السياسية لمواجهة التحديات الاسرائيلية ومن يقف خلفها، والتأكيد على مسالتين هامتين، الاولى الشراكة السياسية الحقيقية بين الكل الوطني ، والثانية والتاكيد على ان شكل النضال الاساسي الجامع للفلسطينيين في المرحلة الراهنة، هو المقاومة الشعبية ( اي النضال السلمي).
ولعل النقطة الاخيرة الواردة اعلاه، تشكل قفزة نوعية في توجه قيادة حركة حماس السياسي والكفاحي. وهو ما يعكس تخليها عمليا عن اللغة الشعاراتية، التي تم اكتشافها منذ زمن السيطرة على محافظات قطاع غزة. لكن ادوات حركة حماس وناطقيها إستمروا في إستخدام الشعارات القديمة دون رصيد حقيقي لها في الواقع الفعلي. لان قيادة فرع الاخوان في فلسطين (حماس) قبلت الهدنة مع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية. ليس هذا فحسب، بل وطاردت كل قوة وطنية قامت بتنفيذ عمليات عسكرية ضدها. لكن بعد الاتفاق المعلن بين الرئيس ابو مازن ومشعل، يصبح من غير اللائق العودة لذات التصريحات غير المبررة
ما ورد في التصريحات من قبل رئيس منظمة التحرير وحركة فتح ورئيس حركة حماس هام جداجدا، وسيجد الصدى الايجابي في اوساط الشعب العربي الفلسطيني في الداخل وداخل الداخل والشتات، وايضا في اوساط العرب والاصدقاء الدوليين. الوحيدون المستاؤون من المصالحة الوطنية هم دولة الابرتهايد الاسرائيلية والولايات المتحدة والقوى المتضررة من المصالحة في الداخل الفلسطيني في جناحي الوطن. لكن المسؤولية تحتم مصارحة القيادتين في حركتي فتح وحماس، ان ما اعلن سيبقى محل شك وعدم يقين بصدقيته، لان المواطن الفلسطيني سمع مثل هذه التصريحات مرارا ، وذهبت التصريحات المتفائلة مع اول ريح عابرة.
مما لا شك فيه، ان الظروف تغيرت نسبيا، والقوى الفلسطينية إسوة بباقي شعوب ودول المنطقة تعيش كل منها ازمتها، التي لاتقل خطورة عن ازمة اي قوة في الساحة، وخاصة القوتين الاساسيتين في الساحة الوطنية فتح وحماس. وباتت المصلحة الشخصية والفئوية والوطنية تحتم دفع عربة المصالحة للامام، لانها تشكل حبل النجاة لكل القيادات الفلسطينية. فضلا عن انها تيد الاعتبار لوحدة الارض والشعب والقضية والاهداف الوطنية، وتعزز عوامل الصمود الوطني في مواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية.
مع ذلك تبقى علامة السؤال مرفوعة، هل لدى الحركتان (فتح وحماس) الحوافز الحقيقية للمصالحة الوطنية؟ ام ان اللجوء للمصالحة مؤقت بمقدار ما تتمكن هذه القوة او تلك من الخروج من ازمتها ؟ وهل المصالحة ستبقى ذات طابع شكلي ام ان القوى الوطنية وخاصة الحركتين ستدفعانها الى الامام بقوة من خلال التخلي عن العصبيات التنظيمية والحسابات الشخصانية، نتيجة تجذر نزعة الاستئثار بالسلطة والاجهزة؟ وهل هناك معايير حقيقية لبناء شراكة سياسية جادة وشفافة؟ والى اي مدى يمكن بقاء "الاستقلالية" لسلطة حماس في غزة؟ اي ما هو المدى الزمني المتاح لذلك؟ ام ان المصالحة في عرف الحركتين يعني بقاء كل شيء على ما هو عليه إلى ما شاء الله، وهو ما يعني إستمرار إقتسام كعكة السلطة بين الحركتين، مع وجود سلطة شكلية ليست ذات صلة بما يجري على الارض في الامن والاقتصاد والثقافة ؟ وهل فعلا حركة حماس مستعدة للتداول السلمي على السلطة، بتعبير آخر هل لديها الجاهزية لقبول ما تفرزه صناديق الانتخابات الدورية ام انها وافقت على المصالحة للتمهيد للانقضاض على ما تبقى من السلطة؟ وهل المصالحة شكل من اشكال تبرئة الذات هنا او هناك مما حصل وكفى المؤمنين شر القتال؟ وما هي الاستعدادات الحقيقية لمواجهة التحديات الاسرائيلية؟ هل الاشقاء العرب لديهم الاستعداد لتحمل مسؤلياتهم تجاه ما قد تواجهه السلطة الوطنية؟ وهل لدى القيادة الفلسطينية القدرة على فرض الطاعة على العرب لتحمل مسؤلياتهم تجاه الشعب الفلسطيني وقضيتة في حال تلكأت عن دفع التزاماتها المالية والسياسية والاخلاقية ؟
اسئلة كثيرة منتصبة في وجه الكل الوطني، لا يجوز المرور عليها مرور الكرام او تجاهلها. المطلوب لبلوغ مصالحة وطنية جادة ومؤصلة للوحدة الوطنية إرتقاء الكل الوطني إلى مستوى المسؤلية العليا والتخلي عن الحسابات الصغيرة والخاصة، وتعميق فعلي للشراكة السياسية، التي لا يجوز ان تقتصر على الفصائل والقوى الوطنية، بل يفترض ان تشمل منظمات المجتمع المدني والمستقلين والاكاديميين والمثقفين ورجال الاعمال والاتحادات الشعبية والنقابات والشباب، وفتح بوابات الحرية الاجتماعية والسياسية العامة والخاصة دون ارهاب او تكميم للافواه هنا او هناك، وفتح حرية التعبير والتنظيم والتظاهر ... الخ دون ذلك ستبقى الساحة الوطنية أسيرة السياسات الفئوية والديماغوجيا والارهاب الفكري والسياسي. وبالتالي اسيرة الانقلاب وتعميق الانقسام.
واي كانت الاسئلة المثارة فإن المرء لا يملك سوى الشد على ايدي القيادات الوطنية جميعها وخاصة يد الرئيس ابو مازن، الذي إندفع بقوة الرغبة الخاصة والتنظيمية والمسؤلية الوطنية لفتح بوابة المصالحة، لطي صفحة الانقلاب والانقسام، وفتح باب الافق للامل واعادة الوحدة الوطنية الى ما كانت عليه قبل الانقلاب عام 2007، لا سيما وان الرغبة تتملكه في إنهاء مهامه السياسية والشعب ينعم بالوحدة الوطنية، بعد ان اوصله الاسرائيليون الى نتيجة مفادها إن إمكانية تحقيق تسوية على اساس خيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران 1967 لم تعد واردة في الواقع الراهن ولا في المستقبل المنظور.