إسرائيل ضد المصالحة، إسرائيل ضد المصالحة الفلسطينية إلى حد الهستيرية !!! هذا ليس ما أقوله أنا فقط، بل هذا ما يقوله نتنياهو و أعضاء ائتلافه الذئبي، و هم يقرنون أقوالهم بالأفعال العدوانية والهستيرية التي يعترض عليها كل العالم، ابتداء من السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، الذي طالبهم بإعادة ضخ الأموال الفلسطينية المحتجزة لديهم إلى السلطة الوطنية الفلسطينية !!! وصولا إلى الإدارة الأمريكية حليفتهم الكبرى التي توفر لهم كل عناصر الحياة والبقاء، حيث طالبتهم وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة هيلاري كلينتون، بإعادة ضخ الأموال الفلسطينية المحتجزة لديهم إلى السلطة الفلسطينية .

ولكن نتنياهو يرفض علنا، متذرعا بأنه ينتظر أن يرى نتائج لقاء الرئيس الفلسطيني أبو مازن مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في القاهرة .

المنطق يقول :

إسرائيل ضد المصالحة، إذا إسرائيل مع الانقسام !!! هذا ما تعلمناه في الدروس الأولى لعلم المنطق، فهل هناك أحد يستطيع أن يعترض على هذا الاستنتاج المنطقي البسيط ؟؟؟

و ما دامت إسرائيل تريد الانقسام، فهذا معناه أن إسرائيل ترى في الانقسام الفلسطيني مصلحة مؤكدة لها، ولا بد أن تكون هذه المصلحة كبيرة و رئيسية ومحورية، و إلا لما أقدمت إسرائيل على فضح نفسها علنا  على رؤوس الأشهاد بالوقوف ضد المصالحة، و العدوان على السلطة الوطنية التي تريد المصالحة، و العدوان على الشعب الفلسطيني ونهب أمواله علنا كنوع من التهديد والعقاب إذا تخلص هذا الشعب من الانقسام وذهب إلى المصالحة !!! .

هل يوجد أحد تجري في عروقه دماء فلسطينية يمكن أن يعترض على هذا الاستنتاج المنطقي البسيط ؟؟؟

حسنا، إذا كنا متفقين على هذه الاستنتاجات، فغن المقابل الموضوعي للمواقف الإسرائيلية المعادية للمصالحة،  يجب أن يكون بالضرورة و المنطق إرادة فلسطينية واضحة باتجاه المصالحة .

والمصالحة كانت قد وقعت حركة "فتح" على وثيقتها الرئيسية وهي الورقة المصرية قبل سنتين، ثم وقعت عليها حركة "حماس" قبل أكثر من ستة شهور، في القاهرة في الرابع من مايو أيار الماضي، و الذين وقعوا سابقا ولاحقا من فتح وحماس كانوا قد درسوا الأمور بعمق من كل جوانبها، ورؤوا في حينه أنه لا سبيل أمامهم سوى مغادرة هذا الانقسام الأسود و الذهاب إلى المصالحة، و أنهم اخذوا وقتهم بالكامل لكي يعرفوا، و يتأكدوا , ويصلوا إلى يقين قاطع، بأن الانقسام لا يصلح أن يكون رهانا، بل هو مأساة و هوة سحيقة، بل إنه وحش جائع يفتح أشداقه ليبتلع كل شيء و لمصلحة إسرائيل وحدها دون سواها. ثم جاءت التداعيات الفلسطينية الأخيرة على الصعيد الوطني و أبرزها محطة استحقاق أيلول، و على الصعيد العربي في هذا الربيع الفوار المستمر و على الصعيد الإقليمي والدولي، لكي تقول لنا هذه التداعيات أن الفلسطينيين لكي يحجزوا لأنفسهم بطاقة تأهل للبقاء الفاعل واستمرار التقدم نحو حقوقهم العادلة، فلا بد لهم أن يقطعوا الصلة نهائيا مع كل الرهانات والأوهام والأخطاء والممارسات التي صنعت الانقسام، و أن يذهبوا من أقصر الطرق لتنفيذ اتفاق المصالحة، وأن يتمحور هذا اللقاء الجديد في القاهرة حول خطة تنفيذ وليس موجة تلاومات وعرقلات جديدة،  خارطة طريق واضحة محددة المعالم  بجدول تنفيذي و جدول زمني، وخطوات متلاحقة تؤدي الخطوة الأولى على الخطوة الثانية وهكذا بدون توقف .

أنا شخصيا من الذين يرددون دائما، أنه إذا أعيد الهرم المقلوب إلى وضعه الطبيعي، بدل أن يقف على رأسه يعود ويستقر على قاعدته، وأن يرتكز على معالجة الجوهر حتى تزول الأعراض، فإن موضوعات المصالحة ستعود إلى حجمها الطبيعي فتصبح منطقية وسهلة وميسرة وقابلة للحل والتنفيذ، وأقصد العناوين التي يتم تضخيمها عمدا، والنفخ فيها لتصبح نارا مستعرة، والتراشق بشأنها لتصبح مسكونة بالشياطين في تفاصيلها، مثل الملف الأمني، وملف المصالحة الأهلية،  والانتخابات،  وإصلاح المنظمة، والمشاركة الحقيقية على قواعد موضوعية .

بطبيعة الحال :

فأنا لست بريئا إلى حد الغفلة، حتى لا أعرف أن هناك في أرضنا الفلسطينية من حدود رفح إلى أقصى حدود جنين من ارتبطت حياتهم من أولها إلى أخرها بالانقسام وتداعيات الانقسام ومفاعيل الانقسام، إنه واقع لا يمكن إنكاره، نراه واضحا جليا ابتداء من عملية زواج بين رجل وامرأة وصولا إلى أفق رجال الأعمال , صعودا إلى التحالفات الإقليمية، إنه واقع لا يمكن إنكاره، وهناك في ظل الانقسام شرائح اجتماعية قفزت فوق السطح، وأصبح لديها مصالح تتعارض مع المصالحة، وهذا أمر طبيعي يحدث عند كل الأمم والشعوب وفي كل الأوقات،  هناك من يستفيدون من مصائب غيرهم المصائب التي تلحق بالأكثرية تجار الحروب وتجار الجثث،  وتجار السلاح، وتجار التهريب بكل أنواعه .... الخ

ولكن هؤلاء مهما بلغوا لن يكونوا مطلقا التيار الرئيسي للشعب الفلسطيني في الداخل وفي الخارج الذي هو المتضرر بالمطلق من بقاء واستمرار الانقسام .

الشعب يريد إنهاء الانقسام .

الشعب يريد إنجاز المصالحة .

وإسرائيل تريد استمرار الانقسام، وإسرائيل تهدد بالويل والثبور ضد المصالحة، فهل حان الوقت للانحياز النهائي لمصلحة الشعب وتياره الرئيسي في الداخل والخارج الذي يعلق الآمال على المصالحة ؟؟؟

كل الفلسطينيون في حالة ترقب، كل الفلسطينيون إلا القلة القليلة الباغية تريد البشرى، فيا لقاء القاهرة : لا تخيب الأمل ولا تزرع اليأس والإحباط