كتبت منذ مدة قصيرة مقالاً ناقدا (قبل خطاب الرئيس الذي قوبل بايجابية من كثير في حماس، الذي ألقاه بذكرى استشهاد الرئيس الخالد ياسر عرفات) أوضح فيه تضارب تصريحات قادة حماس من جهة ، وتكاثر تصريحات أخرى من جهة أخرى تحرض بشكل سافر ضد السلطة الوطنية الفلسطينية وضد قيادة حركة فتح وبشكل وصل في بعضها لحد الدعوة للثورة على السلطة (الفاسدة أو الخائنة ....) مما سطرته من أفواههم وعلى فضائياتهم الكثيرة.

وفي سياق نقدي لمثل هذه التصريحات الخارجة عن أدب الحوار ناهيك عن دخولها في مربع التحريض المباشر على التنافر والتكفير والقتل أشرت للأخ عزام الأحمد في منطقة تفاؤله الدائم واستبشاره بالضرورة بتحقيق المصالحة .

 كان القصد بالنسبة لي واضحاً هو إن مثل هذه التصريحات وما يقابلها من أعمال قمعية في غزة على الأرض لا تدل على ان هؤلاء القوم يريدون مصالحة حقيقية، وهذه الرسالة الموجهة لقيادة (م.ت.ف) وللسيد عزام الأحمد باعتباره يحمل ملف العلاقات الوطنية في حركة فتح بما يتضمنه من المصالحة .

 وتحاورت مع السيد عزام الأحمد في مضمون المقال وكان كعادته ذو صدر رحب ، حتى وان خالفك الرأي فانه يقطع بحقك بالاختلاف وهي سمة من سمات هذا الرجل ، إلا أن اتصالات ورسائل بعض الأخوة التي أدركت منها فهمهم الخاطئ لمضمون المقال وكأنني أكتب ضد السيد عزام الأحمد شخصياً وضد المصالحة كعملية يجب أن تنجز ما دعاني لكتابة هذا المقال .

 إننا في الحركة الوطنية الفلسطينية وهي الحركة التي تنهل من نبع حضارة أمتنا العربية الإسلامية لا تقبل وجود وكلاء عن الله على الأرض لأننا كلنا مسلمون وإسلاميون (وان بنسب متفاوته حكمها إيمانا عند الله ) وما دعاوى احتكار الله لهذا التنظيم أو ذاك إلا خروج ديني خطير أولاً ، وخلط ما بين المطلق الديني والنسبي السياسي المصلحي لا يجوز أن يكون، فتحار الناس ولا تحس بسماحة الإسلام ومساحته المفتوحة للحرية والاجتهاد ، وقدرته على قبول التعدد والتنوع والاختلاف والديمقراطية في سياق خدمة الناس والمجتمع أي في السياسة.

 وهو ما أكد عليه عديد من المفكرين الموصوفين بالاسلاميين  ومنهم د.راشد الغنوشي و د. عبد المنعم الفتوح و د. حسن الترابي و د. رضوان السيد والشيخ الكبيسي وغيرهم الكثير الذين آمنوا بالمجتمع المدني الديمقراطي التعددي الذي لا يقبل الاحتكار الديني وتوزيع شهادات الكفر والإيمان أو الوطنية والخيانة على الناس والذي مازال موجوداً بهذا الفكر الاقصائي عند اتجاهات في الإخوان المسلمين وعند البعض في حماس مارفضته وارفض امتداداته وأدنته مما نقلته على ألسنهم في المقال المذكور .

 ان كان هناك من البعض الذي يريد تشويه الفكر الوطني الفلسطيني أو العروبي وهو فكر مؤمن بالله قطعا ، ولكنه يمايز كما يمايز الكتاب (الإسلاميين)المتنورين بين السياسي المصلحي المتغير و الديني الثابت أي بين المطلق والنسبي ، فان مسعى هؤلاء البعض سيخيب فلن يستطيع أن يجد له في كتب المستقبل مستنداً يشفع له .

وعليه فان الحوار والفكر والتعددية يجب ان تكون مكفولة ليس فقط في قانون الدولة ، وإنما في أنظمة ودساتير الأحزاب والتنظيمات كافة، فلا يتوه الأعضاء بين لغتين أو أكثر لقياداتهم ، حيث يربونهم على الحقد والكراهية والإقصاء للآخر والاستعلاء عليه وبالتالي إمكانية تعذيبه وتكفيره وقتله .ويصرح بعضهم بالإعلام بلغة تبدو (حديثة) تعبر عن إيمانها (بواحة الديمقراطية في غزة كما أسماها أحد قادة حماس مؤخراً وهذا شأنه) متناسياً عنف الأفكار والأدلجة التعصبية والتحريض الداخلي ومتناسياً تعذيب السجون ومعتقلات الأذى وما خلفه الانقلاب الأسود من ندوب.

 إن السيد عزام الأحمد شخصية وطنية كبيرة ذات تاريخ نضالي رفيع نحترمها ونجلها ونقدرها وان اختلفنا معها في أمور فاننا نتفق معها في أمور أكثر ، وان كان معظم من اتصلوا بي أو راسلوني من المؤيدين لموقف السيد عزام الأحمد المتفائل بالمصالحة فلا يسعني إلا أن أكن لهم احتراماً شديدا .