تأخرت زيارة الملك عبد الله الثاني للمقاطعة (مقر الرئاسة الفلسطينية) كثيرا، حيث كان من المفترض ان تتم عام 2007، ولكن لاسباب مختلفة منها المناخية تأجلت الزيارة لاراضي السلطة الوطنية. غير ان جملة التطورات العاصفة في المنطقة (ربيع الثورات العربية) والاردن الشقيق ليس بعيدا عنها، لا بل هو  منخرط في معمانها ولو بضوابط داخلية وإصلاحات دستورية وتشكيل حكومي جديد، وبخطاب سياسي مغاير مع المعارضة الاسلامية وتفرعاتها العربية وخاصة الفلسطينية (حركة حماس). بالاضافة لما تشهده الساحة الفلسطينية من تطورات على اكثر من مستوى وصعيد من التوجه للامم المتحدة، والفوز بعضوي منظمة "اليونيسكو" ودفع عربة المصالحة للامام على حساب بعض ثوابت السلطة السابقة فيما يتعلق بموقع رئاسة الحكومة. والاستعصاءات الاسرائيلية الممهدة لقتل عملية السلام برمتها، وارتفاع الاصوات الاسرائيلية اليمينية المنادية ب"الوطن البديل"، فضلا عن بحث العلاقات الثنائية المشتركة، جميع العوامل المذكورة آنفا، عجلت بزيارة العاهل الاردني للاراضي الفلسطينية.    

زيارة الملك عبد الله الثاني لمدينة رام الله للقاء الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية، التي تمت اول امس الاثنين (21/11)، زيارة هامة وضرورية لكلا الطرفين الفلسطيني والاردني، لاكثر من إعتبار، عكست دلالات ذات اهمية لصناع القرار في كلا البلدين، منها:

اولا أعطت الزيارة دعما سياسيا ومعنويا للرئيس ابو مازن، والقيادة الفلسطينية. لاسيما وان الهدف المعلن للزيارة من الجانب الاردني، كان تأكيد الدعم للقضية والقيادة الفلسطينية في توجهاتها المختلفة.

ثانيا اراد الملك عبدالله ان يؤكد للاسرائيليين وغيرهم، ان وطن الفلسطينيين، هي فلسطين وليس الاردن. وان المملكة الاردنية تدعم هذا الخيار دون تردد او مواربة. وهو ما يعني إخراج الموقف الاردني من الحالة الضبابية، التي كان بعض المراقبين السياسيين والاعلاميين يفترضونها بهذا الشأن.

ثالثا تأكيد جلالة الملك للرئيس أن الانفتاح على القوى السياسية الفلسطينية وخاصة حماس، لا، ولن تؤثر على العلاقات المتميزة مع القيادة الشرعية الفلسطينية برئاسة ابو مازن. وفي السياق، تأكيد عبدالله الثاني، دعم الاردن للمصالحة الوطنية. وإن يُّعتقْد ، ان جلالته اوصل رسالة من بعض الجهات العربية والدولية للرئيس محمود عباس بشأن التشكيل الحكومي القادم، والمحافظة على بعض الاسماء بعينها.

رابعا كما ان ملك الاردن جال مع رئيس منظمة التحرير في الابعاد والتداعيات الناجمة عن التوجه الفلسطيني الى الامم المتحدة، وإنعكاس ذلك على العلاقة الفلسطينية- العربية والفلسطينية - الاميركية، وحرص على إيجاد قواسم مشتركة للتحرك القادم دون منغصات او ارباكات قد تؤثر على الموقف الفلسطيني.

خامسا عززت الزيارة العلاقات الثنائية المشتركة، لاسيما وان الرئيس ابو مازن شخصيا، ومعه باقي اعضاء القيادة، إنتظروا زيارة العاهل الاردني منذ توليه لمهامه كرئيس للشعب العربي الفلسطيني مطلع 2005 . فالزيارة كما اشير سابقا تحمل تعزيزا لموقف القيادة الفلسطينية وشخص الرئيس ابو مازن.

سادسا كما ان التأكيد الفلسطيني بلسان رئيس السلطة الوطنية،على قبول ما يقبله الاردن من توجهات على الصعد المختلفة، يعطي قوة لموقف الملك عبدالله في الساحتين المحلية والعربية، وحتى الدولية. ويعمق عملية التكامل بين القيادتين والشعبين، رغم محاولات الدس من قبل عتاة الجماعات المتطرفة.

الزيارة مرة اخرى عكست قوة العلاقات الثنائية المشتركة، وردت بقوة على غلاة الاسرائيليين المعتوهين، الذين نادوا وينادوا بالوطن البديل، كما ردت على كل من شاء الاساءة للعلاقات السياسية المتميزة بين القيادتين والشعبين بقصد او بغير قصد.