قبل أيام قليلة وعلى هامش حفل استقبال حاشد تزامن تنظيمه في كل من الضفة وغزة معا ألقى القنصل البريطاني العام في القدس خطابا مقتضبا عن التزام بريطانيا بحقوق الشعب الفلسطيني ورغبته بالعيش في كرامة وحرية، وبهذا يطرح السؤال المتكرر نفسه، لماذا إذًا لا تترجم المملكة المتحدة هذا الالتزام بالتصويت لصالح فلسطين في مجلس الأمن؟

حقيقة الأمر أن حكومة بريطانيا تستمر في موقفها الممانع للمصادقة على هذا الطلب، بل تتصرف وكأنها كأي رافض آخر، بل يساهم بعض ساستها في الضغط على بعض الدول لاستمرار تمسكهم برفض الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن، متناسين وعد وزير خارجيتهم آرثر بلفور الذي ما جاء به من تاريخ وانتداب أدى إلى ما أدى إليه من مآس وتشريد، ومتجاهلين أيضا دعوات شعبهم ومؤسساته وبعض أحزابه لخلاص الشعب الفلسطيني وحريته.

ورغم درايتي بضيق القناصل المتعاقبين في القدس وغيرهم من الساسة من تكرار تذمر الفلسطينيين من الموقف البريطاني في كثير من زياراتهم الخاصة والعامة خاصة عندما يأتي الحديث على التاريخ والجغرافيا، إلا أنه لا بد من القول بأن بريطانيا ليست كغيرها من دول الضد وهي لا تستطيع أن تجلس مكتوفة الأيدي في مجلس الأمن وتنتظر صد الطلب الفلسطيني وتعثره بينما تتغنى بالربيع العربي وحق الشعوب الأخرى في نيل حريتها والعيش بنعيم الديمقراطية ومساحة غير محدودة من الكرامة، بينما تنكر حكومتها هذا وغيره على الفلسطينيين في إصرار غير مفهوم على الرفض وفي تمسك عجيب بضرورة حل الصراع عبر المفاوضات!

سؤالنا الأهم هو ماذا سيبقى للتفاوض حوله عندما يتم وزير داخلية الاحتلال بناء مستوطناته المليونية كما وعد وتصادر حكومته أراضي الأغوار وتوسع من دائرة أسرلة القدس وتحاصر قطاع غزة وتقطع أوصال الجغرافيا؟ وأي مفاوضات تلك التي يراد بها أن تكون كسابقاتها دون ضغط أو موقف أممي يعتد به، يعتمد فلسطين عضوا سياديا ويطبق عشرات القرارات الأممية التي صدرت؟

إن بريطانيا ليست دولة عادية ولا يمكن لحكومتها أن تطبق مفاهيمها على دول وشعوب بعينها بينما تحجب ذلك عن شعب ذاق عقودا من احتلال. لذا وجب على هذه الحكومة أن تنسجم مع موقف الغالبية العظمى من الشعب البريطاني الذي يصبو كما الشعب الفلسطيني لخلاص من الاحتلال.

كما أن بريطانيا من الواضح وفي مواقف متعددة لساستها تعكس تململا من موقف الحكومة الحالي، تماما كما ورد في إحدى رسائل أحد الساسة المرموقين التي قال فيها عقب زيارته لفلسطين مؤخرا بأن الشريك الثاني في الائتلاف الحاكم وهو حزب الديمقراطيين الأحرار يدعم الموقف الفلسطيني في موقف تساوق معه لاحقا العديد من شخصيات حزب المحافظين الحاكم.

إن الشعب الفلسطيني يا حكومة صاحبة الجلالة يكره الاحتلال ومعه العالم بأسره ممن صوت لفلسطين في معركة التاريخ في 'اليونسكو' ومن امتنع صوته أمام ضغوط معروفة، بل أيضا من صوت عكس قناعاته كمملكة السويد وغيرها، فلماذا تصر الحكومة على تكرار خطأ تاريخي ولا تساهم بعد حسم معركة التاريخ بحسم معركة الجغرافيا؟