"نحن الشعب التونسي.. نحن شعب يرفض أن تدخل دولتنا في تحالفات في الخارج، كما نرفض أن يتدخل أحد في شؤوننا الداخلية..نتمسك بالشرعية الدولية وننتصر للحقوق المشروعة للشعوب التي من حقها، وفق هذه الشرعية، أن تقرر مصيرها بنفسها وأولها حق الشعب الفلسطيني في أرضه السليبة وإقامة دولته عليها بعد تحريرها وعاصمتها القدس الشريف".
هذا النص مقتبس من توطئة – مقدمة أو ديباجة - مشروع دستور الجمهورية الثالثة الذي طرح للاستفتاء على الشعب التونسي الشقيق يوم الإثنين الماضي الخامس والعشرين من جويلية/ تموز الحالي وهو المصادف لعيد الجمهورية في تونس.
كان لافتًا في توطئة (دستور الجمهورية الجديد) الحضور الصريح لمبدأ الانتصار للشعب الفلسطيني صاحب الحق في أرض وطنه فلسطين وفي القلب منه (القدس) وحقه بتقرير المصير، وكذلك بقيام دولته المستقلة.. ما يعني أن تونس الشقيقة شعبًا وبرلمانًا ورئاسة وحكومة ستستمر بالانتصار لحق الشعب الفلسطيني، كما عهدها مع فلسطين دائمًا منذ الاستقلال وما قبله حتى، لكن الجديد أن هذا الانتصار للحق الفلسطيني بات جزءًا من الدستور أي المرجع الأساس للقوانين في الجمهورية التونسية، ونعتقد في هذا السياق أن تونس الشعب والدولة بجمهوريتهما الجديدة قد نالا شرف حضور فلسطين في نص الدستور في سابقة غير مدونة نصا في دستور أي دولة عربية أخرى، حتى وإن احتوى دستور سوريا على مصطلح " الصراع مع العدو الصهيوني" .
بادر سيادة الرئيس محمود عباس "أبو مازن" أمس بإرسال تهانيه لرئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد بمناسبة عيد الجمهورية ووصفه "بالحدث الديمقراطي العاكس لإرادة الشعب التونسي العظيم، المؤسس لتاريخ حقيقي جديد للحرية والكرامة والعدل". وكتب سيادة الرئيس: "يمثل هذا الحدث الديمقراطي إرادة الشعب التونسي العظيم، وتلبية لمطالبه ورغبته، وامتدادًا لعملية تصحيح المسار، والدفع نحو الإصلاحات السياسية والدستورية، وإجراء انتخابات تشريعية في ديسمبر المقبل، والمباشرة بتاريخ جديد، وتأسيس حقيقي للحرية والكرامة والعدل"..تتويجًا "لمسيرة نضال خاضها الشعب التونسي من عام 1881 لإقرار المساواة بين مواطني ومواطنات تونس".
نحن الشعب الفلسطيني معنيون بنجاح تطبيقات المنهج السليم والصائب للديمقراطية، لاعتقادنا أن النظم السياسية العربية القائمة أساسًا على مبدأ السلطة للشعب واحترام إرادته وصون استقلالية القرار الوطني وسيادة الدولة على أرضها ومواردها، المطبقة لمناهج الحرية والتحرر العدل والكرامة والمساواة هي القادرة على بناء دولة عربية قوية، تمكنها عبر استراتيجية عمل موحد مع دول عربية مماثلة في المنهج السياسي النهوض بالشعوب العربية وتحقيق مقومات الاكتفاء الذاتي الاقتصادي المؤدي مباشرة إلى استقلالية القرار الوطني، والقومي في الدائرة الجغرافية الأوسع، ما يؤدي حتمًا إلى تعزيز قوة الانتصار للحق التاريخي للشعب الفلسطيني، وتقريب يوم الحرية والنصر والاستقلال ورفع علم فلسطين تحت قبة سماء القدس ..فالتحولات السياسية التاريخية في أي دولة عربية لا يمكننا إلا الثناء عليها والإشادة بها مادامت عاكسة للإرادة الشعبية، لثقتنا وإيماننا بأن الشعوب العربية لم تتراجع ولم تتخل عن الانتصار للحق الفلسطيني رغم أثقالها بالمعاناة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية في عشرينية ما سمى (الربيع العربي)، لكن تلمس الإصرار على الانتصار للحق الفلسطيني(القضية الفلسطينية) بوضوح ونص صريح في دستور الجمهورية التونسية، يضعنا أمام سابقة على المستوى الرسمي العربي، حيث كرست مبدأ الانتصار لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها وأولها الشعب الفلسطيني بالنص الحرفي، ويحق لنا بكل ثقة رؤية(دسترة الحق الفلسطيني) في الجمهورية التونسية الشقيقة، مانعًا قانونيًا سياسيًا رسميًا مضادًا لكل أسلحة التطبيع مع منظومة الاحتلال الصهيوني الاستيطاني العنصري المحمولة على قاطرات الاتفاقات الإبراهيمية التي ابتدعها الوجه الاستعماري الجديد دونالد ترامب.
نجح الأشقاء في تونس رسميًا وشعبيًا ومؤسساتياً في اختبار الاستفتاء الذي يعتبر إحدى وسائل استشراف الإرادة الشعبية وعناوين توجهاتها ومراتب أولوياتها، ونعتقد أن هذا النجاح سيذلل عقبات كثيرة ويزيلها من درب الشعب التونسي وقيادته السياسية بما يمكنه من استعادة قوة الدفع والتقدم نحو النمو والازدهار والاستقرار كما أعرب سيادة الرئيس أبو مازن باسم الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية التقدمية الديمقراطية كلها في رسالته لرئيس الشعب التونسي قيس سعيد.. فتونس التي كانت بالأمس منطلق قيادتنا السياسية نحو أرض الوطن فلسطين، ستكون اليوم والغد– كما نعتقد – منطلقًا وتجربة ثرية على المستوى العربي على الأقل لكيفية تحرير المبدأ الأساس: "السلطة للشعب".
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها