كان واجبًا على الذين يروجون في خطاباتهم وتصريحاتهم ويبثون إشاعة مراهنة سيادة الرئيس أبو مازن على الإدارات المتتابعة في الولايات المتحدة الأميركية، أو على أحزاب ونتائج انتخابات لدى منظومة الاحتلال (إسرائيل) كان حريًا بهم قراءة كتبه – المكتوبة للتاريخ - وقراءة كل كلمة في خطاباته الموجهة للشعب الفلسطيني أو لشعوب ودول وحكومات وقادة العالم في المحافل الدولية، وتحديدًا في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وريث عصبة الأمم التي منحت إسرائيل شهادة ولادة مزورة في كبرى المؤامرات على الشعوب نفذتها الدول الاستعمارية المنتصرة بالحرب العالمية الأولى، فربما إذا قرأوا بنوايا حسنة يعرفون أبعاد وأهداف سيادة الرئيس أبو مازن من التركيز على مسارين متوازيين للكفاح الوطني الفلسطيني، الأول ميداني على أرض فلسطين بمقاومة شعبية سلمية بكل معانيها ومقتضياتها وأساليبها، والآخر قانوني سياسي ودبلوماسي في المحافل الدولية يثبت فلسطين على خريطة العالم جغرافيًا ويثبتها في القانون الدولي، فعلى الأرض برهان على أننا أصحاب الحق التاريخي والطبيعي، وهناك في المحافل لابد من إزاحة الشرعية المزيفة لإسرائيل، وإزاحة القرارات الظالمة التي صدرت عن عصبة الأمم ووريثتها الأمم المتحدة بقرارات تؤكد حق الشعب الفلسطيني التاريخي والطبيعي ولو جزئيًا كما حدث في القرار 19/67 من عام 2012 عندما حصلنا على قرار ضم فلسطين إلى الأمم المتحدة (عضو مراقب)، وأن المجلس الوطني الفلسطيني هو برلمان الشعب الفلسطيني، وأن اللجنة التنفيذية هي حكومته، وعندما حققنا إنجازًا في مجلس الأمن في القرار2334 في عام 2016 باعتبار القدس الشرقية جزءًا لا يتجزأ من أرض دولة فلسطين المحتلة في عام 1967 وأن الاستيطان باطل ولا شرعية له في القانون الدولي ..
فالرؤية البعيدة المدى لقائد حركة التحرر الوطنية سيادة الرئيس أبو مازن تعني انتزاع الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني من الدول الاستعمارية التي ارتكبت الجريمة الأفظع في تاريخ البشرية بإنشاء قاعدتها المتقدمة (إسرائيل) على وقع حملات مجازر وحروب وتهجير وتشريد وتدمير، فنحن لا نراهن على هذه الدول الاستعمارية وبمقدمتها الولايات المتحدة، وإنما ننتزع منها ما نستطيع من حقنا، لإدراكنا أنها بمثابة القضاء والقدر الممسك بمصير (إسرائيلهم) التي لا ننازع منظومتها الحق على أرضنا أبدًا .. فأرض وطننا فلسطين كلها للشعب الفلسطيني، حتى وإن تعاملنا بواقعية مع قرارات الشرعية الدولية.
صحيح أننا نحن الشعب الفلسطيني هنا على أرض وطننا فلسطين نواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، وحكومتهم ومنظومتهم المسماة (دولة إسرائيل)، لكننا في الحقيقة - حسب منطق الشخصية القيادية السياسية البعيدة النظر والرؤية، والمتعمقة في قراءة التاريخ القريب زمانيًا ومكانيًا منا ومن أرضنا – نناضل ونكافح لانتزاع أرضنا باعتبارها الحق التاريخي والطبيعي المقدس، نناضل لانتزاع وتحرير أي شبر من أرضنا بسياسة المراحل، من وكيل الدول الاستعمارية (إسرائيل)، فالدول الاستعمارية الظالمة التي ارتكبت أفظع جريمة بحق البشرية في التاريخ المعاصر، قد سلبت الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني على مراحل رغم امتلاكها القوة المادية العسكرية التي تمكنها من السيطرة وتحقيق هدفها مرة واحدة ! ومن البديهي ربط مخرجات مؤتمر الدول الاستعمارية عام 1905 المكرسة بوثيقة (كامبل) مع إتفاقية سايكس بيكو عام 1916 مع وعد بلفور عام 1917 مع صك الانتداب البريطاني عام 1922، مع قرار التقسيم عام 1947، مع وعد ترامب الاستعماري الجديد أواخر عام 2017 وما بين كل تاريخ وآخر تفاصيل وأحداث هامة مدونة ومؤرخة، ليعرف صاحب أي موقع سياسي متقدم، أو موجود – حسب صيغة ما - في حيز رأس الهرم السياسي ويدرك أبعاد سياسة العقلانية والواقعية والحكمة والصبر، والعمل بصدق لتحقيق الثوابت الوطنية الفلسطينية كما جسدها قادة منظمة التحرير الفلسطينية في وثيقة الاستقلال الصادرة عن الدورة 19 للمجلس الوطني الفلسطيني في الخامس عشر من نوفمبر من عام 1988، فالقائد السياسي الحكيم لا ينسى ولا يغفل ولا يتغافل ولا يتجاهل مدفوعًا بعقدة الرغبة الذاتية أو الفئوية، أو لمجرد تسجيل مواقف مضادة.
*المصدر: الحياة الجديدة*
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها