تم عصر أمس الأول الجمعة، إطلاق رصاص عن سابق تصميم وإصرار على شخص الدكتور ناصر الدين الشاعر، العضو القيادي في حركة حماس عندما كان بسيارته مارًا من قرية كفر قليل جنوب مدينة نابلس، حيث اعترض ملثمان مسلحان السيارة، وطالبا نائب رئيس الوزراء الأسبق بالترجل منها، وعلى ما يبدو كان الهدف اختطافه، لكنه رفض طلبهما، وتصدى لهما، فأطلق

أحدهما الرصاص على إحدى رجليه، ومع ذلك قاد سيارته، ثم لحق به الملثمان وحاولا مجددًا إرغامه على ترك السيارة والنزول منها، إلا أنه رفض، فقام المسلحان مجهولا الهوية بإطلاق الرصاص العشوائي بكثافة على السيارة، وفق رواية الصحفي عامر النايف، الذي كان يرافقه في جاهة الخطوبة لأحد الأسرى من القرية.

من المؤكد أن مرتكبي الجريمة اللاأخلاقية واللاوطنية والمنافية لأبسط معايير وقيم المجتمع الفلسطيني العربي لم يريدا قتل الأستاذ بجامعة النجاح، وإنما كانا يريدان اختطافه لغاية في نفس يعقوب، نتيجتها الفوضى والفلتان. ورغم أن الشبهة تحوم حول المطرودين من أمن جامعة النجاح، الذين تعاركوا الشهر الماضي مع وزير التربية والتعليم الأسبق في الحكومتين العاشرة والحادية عشرة. لكن حتى اللحظة لا يمكن الجزم والقطع في الاتهام ما لم تؤكد أو تنفي أجهزة الأمن الفلسطينية المختصة، وبعد اعتقال المتورطين في الجريمة النكراء والمعيبة، وبعد الاعتراف بجريمتهم.

وأيًا كان الشخص أو الجهة التي وقفت خلف الجريمة المدانة والمرفوضة من الشارع الفلسطيني كله، فإن من قام بها، وأيا كانت خلفيته، إن كان متورطًا مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، أو عضوًا من حركة حماس الإخوانية أو من المفصولين من أمن جامعة النجاح، فإن خلفيات الجريمة ترتكز من حيث يدري أو لا يدري الفاعلون على الآتي: أولاً أخذ القانون باليد، بعيدا عن المعايير النظامية والقانونية؛ ثانيًا إثارة البلبلة والفتنة في الشارع الفلسطيني؛ ثالثًا دفع المجتمع الفلسطيني نحو حافة الفوضى والفلتان الأمني، واستغلال الظروف التي تعيشها الساحة من غليان وإضرابات لتأجيج المشاعر، وصب الزيت على النار المتقدة؛ رابعًا استغلال حركة الانقلاب الحمساوية الحادثة المرفوضة لتصعيد حملة التحريض على شخص سيادة الرئيس أبو مازن والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية في آن. وهو ما ارتكبته قيادة الحركة الإخوانية في بيانها الأول والمباشر بعد انتشار خبر إطلاق الرصاص على سيارة الشاعر، وقبل أن تظهر أية معلومات عن الحادث، وقبل ظهور أية نتائج للتحقيقات الأولية، ما يكشف النية المبيتة لدى حركة الانقلاب؛ خامسًا وإذا وسعت أفق قراءتي وتقديراتي لخلفيات الجريمة، فيمكن أن أشير بإصبع الاتهام لعناصر حركة حماس نفسها بارتكاب الجريمة، مستغلة مجمل المعطيات الماثلة في الضفة الفلسطينية بهدف تصفية حسابات داخلية فيما بين أقطاب الحركة نفسها، واستغلال الجريمة في التحريض على السلطة والحكومة والأجهزة الأمنية؛ ودفع الساحة نحو دوامة الفلتان الأمني وفوضى السلاح. لا سيما وأن أعضاء وأنصار حركة حماس يعدون العدة منذ زمن بعيد لتعميق الأزمة الوطنية الداخلية، بدل رص الصفوف وطي صفحة الانقلاب الأسود، وترميم الجسور والتقدم نحو جادة الوحدة الوطنية؛ سادسًا وهو من أهم العوامل والخلفيات، ويكمن في أهداف حكومة وأجهزة الأمن الاستعمارية الإسرائيلية، التي تسعى بشكل حثيث ومقصود لإشعال حرائق الفتنة والفوضى في الساحة الفلسطينية لقطع الطريق على أهداف التحرر الوطني، وترك الساحة نهبا للصراعات العشائرية والفصائلية والجهوية وللعصابات وقطاع الطرق ومافيات الحارات في المحافظات المختلفة.

مرة أخرى وأيًا كانت الجهة المتورطة بالجريمة، فإنها ليست بريئة، ولا يمكن المغفرة لها، ولا تبرير أو التغطية على جريمتها النكراء والرخيصة والجبانة، ويفترض أخذ أقصى الإجراءات العقابية القانونية ضد مرتكبي الجريمة، وعدم السماح بتكرارها، والتصدي الفاعل من قبل أجهزة الأمن الوطنية ضد كل مرتكبي الجرائم العشائرية أو الجهوية أو المافيوية، والضرب بيد من حديد أولاً لحفظ النظام والقانون؛ وثانيًا لحماية المواطنين من مظاهر الفلتان والفوضى؛ ثالثًا لتعزيز جسور التعاون والتكامل بين الشعب وقطاعاته المختلفة وأجهزة الأمن والمؤسسات الرسمية؛ رابعًا حماية الجبهة الداخلية من كل الآفات والمافيات السامة والقاتلة؛ خامسًا تعزيز الشراكة في الدفاع عن المصالح الوطنية، وتطوير المقاومة الشعبية في كل المحافظات للرد على أهداف ومخططات العدو الصهيوني وأذنابه وأدواته المأجورة.

المصدر: الحياة الجديدة